قصة الساعة البغدادية.. الساعات البغدادية ذات الابراج
ساعات الجيب والساعات الجدارية لتزيين جدران بيوتهم ودواوينهم ومازال بعض هذه الساعات في حوزة اصحابها حيث تعمل بدقة دون ان تنتابها مؤثرات الزمن.. فمن هذه الساعات الساعة التي يحتفظ بها احد المواطنين والتي اشارت الى ذكرها الزميلة مجلة «الف باء» في عددها (468) تحت عنوان «اقدم ساعة في بغداد» والتي يعود تاريخ صنعها الى عام 1800م حين دخلت بغداد ضمن اول وجبة ساعات استوردت ابان العهد العثماني من المانيا عام 1810 موالتيمازالتصالحةوتعملبدقةحتىالآن.
وبرز مواطن بغدادي اخر يعقب على هذا الخبر في المجلة المذكورة بعددها اللاحق (471): ينفي فيه ان تكون الساعة هي اقدم ساعة في بغداد بل ان التي اقدم منها هي الساعة التي يمتلكها هو والتي آلت من جده الى والده ومن ثم اليه، وهي من الساعات المعروفة بـ (ام الطمغة) يرجع تاريخ صنعها الى سنة 1749م كما هو مثبت في داخلها وهي بحالة جيدة وتشير الى الوقت بدقة حتى هذه اللحظة.. يا ترى كم من هذه الساعات الاثرية التي يحتفظ بها البعض ولانعلم عنها شيئا؟
ماذا لو امتلكت امانة العاصمة امثال هذه الساعات التي كانت تزين جدران البيت البغدادي ايام زمان والتي يحتفظ بما تبقى منها بعض المواطنين والمودع بعضها الاخر وقفا في بعض المساجد والجوامع الكبيرة خاصة بعد ان اصبحت نادرة وتمتاز بمسحة اثارية ووضعتها في جناح خاص من المتحف البغدادي لتمثل جانبا من مخلفات المجتمع البغدادي في القرن الماضي قبل ان تختفي وتزول ويمحى اثرها؟ لا شك انها ثروة تراثية لا تعوض .
وعرفت بغداد الساعات الكبيرة ذات الابراج العالية على غرار المنائر ايام حكم الوالي العثماني المصلح مدحت باشا حيث شيد اول مرة في تاريخ بغداد هذا النوع من الابراج لينصب في اعلاه ساعة القشلة وكان ذلك حدثا مهما في تاريخ عاصمة اعرق حضارة في التاريخ وتم ذلك عام 1869م اي بعد عشرة اعوام من نصب ساعة (بك بن) الشهيرة والتي تعلو مبنى مجلس العموم البريطاني في العاصمة لندن وتذاع دقاتها من الاذاعات البريطانية الى جميع انحاء العالم ويعود لها الفضل في ضبط الساعات في بقية اقطار الدنيا.. ثم توالى نصب الساعات ذات الابراج في بغداد بعد ساعة القشلة فكانت ساعة الكاظمية والكيلانية والاعظمية وساعتي المحطة .
ساعة القشلة (1286هـ/1869م )
ارتبط تاريخ هذه الساعة الاثرية ببناء القشلة (الثكنة العسكرية وسراي الحكومة فيما بعد) التي مازالت قائمة وماثلة امام انظارنا تحكي قصة الزمن في فترة من فترات التاريخ وبقيت وستبقى لتكون احد معالمنا الاثرية في بغداد.. وكان الشروع في بناية هذه القشلة سنة 1861 م ايام الوالي نامق باشا الكبير وفي عهده لم يكمل بناؤها وقد اكمله مدحت باشا (1868-1871) واقام في ساحتها برجا نصب عليه الساعة المذكورة لغرض ايقاظ الجنود الى اوقات التدريب العسكري حيث اتخذ القشلة مركزا لقواته الخيالة وكذلك مقرا لولايته ومن ثم اشغلت من قبل بعض الوزارات في العهد الملكي الغابر.. وساعة القشلة تدق الساعة فقط وكان رنين صوتها تسمعه بغداد كلها ـ الرصافة والكرخ ـ وخاصة في اوقات الليل والفجر حيث يستيقظ على دقاتها العمال والموظفون ليذهبوا الى اعمالهم اضافة الى انها كانت تزينها المصابيح مما يساعد على رؤيتها من مسافات بعيدة اما اليوم فان البنايات العالية حجبتها عن الانظار كما حجبت صوتها عن الاسماع.. وكان الناس قد اعتادوا ان يضبطوا ساعاتهم والموظفون ان يتبينوا بها مواعيد بدء الدوام الرسمي وانتهائه من دواوين الحكومة فهي الحكم الفصل في كل اختلاف بالزمن .
بنيت القشلة وبرج ساعتها وبعض ابنية مدحت باشا التي تميز بها عهده من حجارة سور بغداد الشرقية حيث كان قائما يومذاك وقد هدمه الوالي المذكور باعتبار ان بغداد ليست في حاجة له بعد استعمال المدافع كاسلحة حديثة فيالحروب ودك الحصون .
انتصب برج ساعة القشلة الذي يطل على شاطئ دجلة على مساحة مربعة الشكل طول ضلعها اربعة امتار يضيق كلما ارتفعنا عن الارض وكان في تصميمه يشبه الى حد بعيد المئذنة، وارتفاعه ثلاثون مترا وبداخله سلم حلزوني يحتوي على (73) درجة وفي نهايته حوض كبير يضم مكائن الساعة ذات الجهات الاربع كما يوجد ايضا جرس الساعة الذي يبلغ ارتفاعه مترا واحدا وقطره ثلاثة امتار وهو منفصل عن الساعة وعند عملية التشغيل تتصل الساعة بالجرس بواسطة جسر صغير، وتتم عملية النصب بواسطة مفتاح يشبه الى حد كبير «هندر السيارات» لتعطي الساعة قوة تشغيل لمدة عشرة ايام والجرس لمدة سبعة ايام. ولهذه الساعة اربعة اوجه فالوجهان الجنوبي والغربي للتوقيت الغروبي ( العربي ) وتشير عقاربها الى الزمن بالرقم المألوف اما الوجهان الاخران وهما الشمالي والشرقي فللتوقيت الزوالي (الافرنجي) وتشير عقاربها الى الزمن بالرقم اللاتيني القديم .
ويعتلي برج الساعة سهم حديدي قائم يرتبط في منتصفه بسهم حديدي بشكل افقي متحرك يؤشر هذا الرمح حركة الرياح واتجاهاتها ، وقد صنع مؤشر الرياح هذا عند دخول الانكليز بغداد عام 1917 مع التاج وتمثال الجمل وبعض الاصلاحات والاضافات الاخرى على البرج .
وكان تمثال الجمل الذي وضع فوق مرتكز الرمح قد صنع من البرونز للقائد الانكليزي ( لجمن )الذي جاب الصحراء العراقية وهو يركب الجمل فاسقط هذا التمثال من التاج من فوق برج الساعة بسقوط النظام الملكي في العراق في تموز عام 1958م .
لتكن ساعة القشلة اساس التوقيت لمدينة بغداد
ثبت ان ساعة القشلة من الساعات المضبوطة في توقيتها لان حركتها (ميكانيكية) مؤسسة على اجود وادق النظريات في صناعة الساعات ولهذا السبب ومنذ تأسيسها كان اعتماد الكثير عليها في توقيت ساعاتهم.. لذا يجب ان تنال قسطا كبيرا من الاهتمام والرعاية لادامة ضبطها للوقت. وبهذه المناسبة نطرح تجربة مهمة تهم الجميع لعل المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون ان تفيد منها في ضبط الوقت داخل المؤسسة على الاقل فيكون بامكان اذاعة بغداد وصوت الجماهير وتلفزيون بغداد ان ينهوا الخلاف والاختلاف الذي لا يزال مستمرا بل صار مزمنا.. فتدق الساعة في احدى هذه المحطات في الوقت الذي نسمع فيه نشرة الاخبار قد بدأت تذاع في محطة اخرى، والبرنامج المقرر لم ينته بعد في المحطة الثالثة وهكذا يقع المواطن في حيرة من امره وهو ممسك بزمام ساعته يريد ضبط الوقت فيها وتوقيتها!!.. والتجربة تتلخص في شروع الاذاعات البريطانية في التوقيت على ساعة (بك بن) الشهيرة في لندن وكذلك الاذاعات والتلفزيون في الشقيقة جمهورية مصر العربية في التوقيت على ساعة جامعة القاهرة فحين تدق الساعة في الجامعة تكون قد دقت في داخل الاذاعة والتلفزيون معا في اللحظة ذاتها وهذا يجنبها الاختلاف في ضبط الوقت لن تكون هذه التجربة باقل نجاحا مع ساعة القشلة اذا أريد لها ان تكون اساس التوقيت لمدينة بغداد .
ساعة الكاظمين ( 1300هـ – 1882 م )
ومن ساعات بغداد القديمة ذات الابراج ساعتا المشهد الكاظمي فكانت الاولى على الباب الشرقي مقابل ساحة النافورة، والثانية على الباب القبلي . وكان الوزير الايراني ( دوست محمد خان ) قد اهدى الساعة الاولى وهي من الساعات الكبيرة عام زيارته للعراق بصحبة ملك ايران ناصر الدين شاه سنة 1870 ولما لم يكن لها موضع تنصب فيه فقد بقيت في المخزن الى حين شيدت لها قاعدة وبرج ، ونصبت عليه سنة (1301هـ/1883م) وهي قائمة الى اليوم تعمل بانتظام ، اما الساعة الثانية وهي اكبر واضخم من الاولى والتي وضعت على الباب القبلي فقد اهداها الحاج مهدي الابوشهري الايراني بعد تشييد القاعدة الثانية والبرج وكان ذلك سنة (1303هـ/1885م ) .
وقد ارتبط تاريخ هاتين الساعتين بالمشروع الاضخم لتجديد عمارة المشهد الكاظمي والذي تطوع على الانفاق عليه الامير ( فرهاد ميرزا القاجاري ) عم ناصر الدين شاه عام (1300هـ/1882م) وقد اوكل على ذلك اثنين من تجار الكاظمية هما الحاج عبد الهادي والحاج مهدي الاسترباديان للقيام بهذه المهمة واذن لهما بالتصرف المطلق وبالمبلغ غير المحدود ، فكان بدء العمل بالعمارة يوم (17- ذي القعدة -1296هـ 1878م) والانتهاء منه بجميع ما فيه في (17 ـ ربيع الاول ـ 1301هـ/1883م) واحتفل بهذه المناسبة لمدة ثلاثة ايام ويقال ان مجموع نفقات هذه العمارة بلغ مئتى الف ليرة عثمانية.. وكان من ضمن ما اشتمل عليه التعمير المذكور تأسيس قاعدتين ضخمتين في سطح الطابق الثاني من الصحن فوق البابين الرئيسيين في جانبي الشرق والجنوب لتقوم عليهما ابراج الساعتين وقد استغرق البناء اربع سنوات، ومن ثم تم نصب الساعتين المذكورتين عليهما .
وقد امتازت الساعة التي نصبت على الباب القبلي بفخامتها اضافة الى قدمها وجمال برجها، فكان بداخل البرج سلم خشبي ذو عشرين درجة. اما آلة الساعة فقد ركزت في الطبقة الثانية وهي ذات اربعة اوجه مدورة، تدق الساعة والانصاف والارباع وتحتوي على جرس ومطرقة.. وكان الصوت المنبعث منها عاليا جدا يصم الاذان فافرغت في الجرس كمية من الرصاص لتخفيف حدة الصوت.. ويبلغ ارتفاع البرج اعتبارا من سطح الباب الى القمة ـ وهي على شكل خوذة ذهبية الطلاء ـ ستة عشر مترا ونصف المتر، كما بلغ عرض الكتابة ثلاثة امتار وغرفة الآلة خمسة امتار.. وقد زاد في روعة منظرها ذلك الكاشاني الجميل النقش والزخرفة البديعة الذي يكسو جدرانها .
بناية مرقد الامام الكاظم في القرن التاسع عشر والساعة في الجانب الايسر العلوي من الصورة
ومن اهم المشاكل التي كانت تعترض الساعة آنذاك انها حين تتوقف عن العمل ويعجز المصلحون المسلمون عن اصلاحها يتحرج الموقف بدخول المصلحين الاجانب الى المشهد المقدس بدافع الاضطرار. ومن طريف ما يروى عن تصليح هذه الساعة يوم توقفت ما ترويه ( مدام ديولافوا ) يوم زارت بغداد سنة (1881م/1299م) ، فتذكر انهم تعرفوا في بغداد على مهندس فرنسي خبير في تصليح الساعات يعمل في بغداد ويدعى «المسيو موكل» فزودهم بتوضيحات كافية عن المشهد الكاظمي المقدس بعد ان تحدثوا بما رأوه من صعوبات ومضايقات في زيارتهم لهذا المشهد، ولم يستطع هو ايضا الدخول اليه في بادئ الامر لكونه نصرانيا لكن الساعة الكبيرة في الصحن توقف دقاقها الكبير في يوم من الايام وتعسر تصليحه فتبرع هو لاصلاحه وتشغيل الساعة، فحمل ادواته الهندسية ، التصوير الدقيقة في الوقت نفسه والتقط عدة صور من فوق السطح والبرج ومن الجوانب المختلفة .
ومن ساعات بغداد القديمة ذات الابراج ساعتا المشهد الكاظمي فكانت الاولى على الباب الشرقي مقابل ساحة النافورة، والثانية على الباب القبلي. وكان الوزير الايراني «دوست محمد خان» قد اهدى الساعة الاولى وهي من الساعات الكبيرة عام زيارته للعراق بصحبة ملك ايران ناصر الدين شاه سنة (1287هـ/1870م) ولما لم يكن لها موضع تنصب فيه فقد بقيت في المخزن الى حين شيدت لها قاعدة وبرج ، ونصبت عليه سنة (1301هـ/1883م) وهي قائمة الى اليوم تعمل بانتظام .
اما الساعة الثانية وهي اكبر واضخم من الاولى والتي وضعت على الباب القبلي فقد اهداها الحاج مهدي الابوشهري الايراني بعد تشييدالقاعدةالثانيةوالبرجوكانذلكسنة (1303هـ/1885م ) .
وقد ارتبط تاريخ هاتين الساعتين بالمشروع الاضخم لتجديد عمارة المشهد الكاظمي والذي تطوع على الانفاق عليه الامير فرهاد ميرزا القاجار .
ويقال ان مجموع نفقات هذه العمارة بلغ مئتى الف ليرة عثمانية وكان من ضمن ما اشتمل عليه التعمير المذكور تأسيس قاعدتين ضخمتين في سطح الطابق الثاني من الصحن فوق البابين الرئيسيين في جانبي الشرق والجنوب لتقوم عليهما ابراج الساعتين وقد استغرق البناء اربع سنوات، ومن ثم تم نصب الساعتين المذكورتين عليهما .
وقد امتازت الساعة التي نصبت على الباب القبلي بفخامتها اضافة الى قدمها وجمال برجها، فكان بداخل البرج سلم خشبي ذو عشرين درجة. اما آلة الساعة فقد ركزت في الطبقة الثانية وهي ذات اربعة اوجه مدورة ، تدق الساعة والانصاف والارباع وتحتوي على جرس ومطرقة.. وكان الصوت المنبعث منها عاليا جدا يصم الاذان فافرغت في الجرس كمية من الرصاص لتخفيف حدة الصوت.. ويبلغ ارتفاع البرج اعتبارا من سطح الباب الى القمة ـ وهي على شكل خوذة ذهبية الطلاء ـ ستة عشر مترا ونصف المتر، كما بلغ عرض الكتابة ثلاثة امتار، وغرفة الآلة خمسة امتار.. وقد زاد في روعة منظرها ذلك الكاشاني الجميل النقش والزخرفة البديعة الذي يكسو جدرانها .
الساعة التي تطل على باب المراد
ومن اهم المشاكل التي كانت تعترض الساعة آنذاك انها حين تتوقف عن العمل ويعجز المصلحون المسلمون عن اصلاحها يتحرج الموقف بدخول المصلحين الاجانب الى المشهد المقدس بدافع الاضطرار ، ومن طريف ما يروى عن تصليح هذه الساعة يوم توقفت ما ترويه «مدام ديولافوا» يوم زارت بغداد سنة (1881م/1299م)، فتذكر انهم تعرفوا في بغداد على مهندس فرنسي خبير في تصليح الساعات يعمل في بغداد ويدعى «المسيو موكل» فزودهم بتوضيحات كافية عن المشهد الكاظمي المقدس بعد ان تحدثوا بما رأوه من صعوبات ومضايقات في زيارتهم لهذا المشهد، ولم يستطع هو ايضا الدخول اليه في بادئ الامر لكونه نصرانيا لكن الساعة الكبيرة في الصحن توقف دقاقها الكبير في يوم من الايام وتعسر تصليحه فتبرع هو لاصلاحه وتشغيل الساعة، فحمل ادواته الهندسية، وآلة التصوير الدقيقة في الوقت نفسه والتقط عدة صور من فوق السطح والبرج ومن الجوانب المختلفة .
ساعة الحضرة الكيلانية (1316هـ – 1898 )
وبعد بضع سنوات من نصب ساعة الكاظمين اهديت من المسلمين بالهند ساعة كبيرة ذات وجهين تدق الساعات وانصاف الساعات فقط الى الحضرة الكيلانية المقدسة في بغداد ، وفعلا تم نصبها في الحضرة المذكورة وكانت تعمل بانتظام حتى حلت محلها ساعة ضخمة اخرى ذات اربعة اوجه كبيرة وهي الساعة القائمة اليوم في صحن الحضرة الكيلانية، ورفعت الساعة القديمة من محلها وقدمت هدية الى مديرية الاوقاف لتنصب في جامع الامام الاعظم في الاعظمية.. اما الساعة الجديدة فهي ذات اربعة اوجه كبيرة وتحتوي على ثلاثة ا جراس احدها للساعات والاخر لنصف الساعات والثالث للارباع. وقد تم صنع هذه الساعة الفخمة في معامل ( بونة ) الشهيرة في مدينة بومبي بالهند. وقد شيد لها المرحوم عبد الرحمن النقيب، نقيب اشراف بغداد الاسبق ، برجا عاليا يناطح السحاب ارتفاعه 30 مترا ، وكان الانتهاء من تشييده في سنة (1316هـ/ 1898م) كما هو مدون على واجهة البرج الشمالية بالكاشاني الازرق البديع ، ونقشت طغراء السلطان عبد الحميد بالكاشاني الازرق ايضا ونحتها سنة 1317هـ وعلى واجهته الغربية ، وثبت لوح من المرمر كتب عليه اطراء ودعاء للسلطان عبد الحميد الثاني على و اجهته القبلية وكانت هذه الكتابات بخط السيد عبد الجبار ال خان زادة رئيس كتاب مديرية اوقاف بغداد سابقا والمتوفى سنة 1330 هجرية وكان البرج من صنع المعمار البغدادي الحاج درفي الذي حاكى في بنائه برج ساعة القشلة وكان لا يخلو من بعض الاضافات منها المحجران السفلي والعلوي فوق حجرة الساعة واللذان يحيطان بالبرج من جهاته الاربع، ويرتقى الى الساعة من داخل البرج بسلالم خشبية. وقد قام هذا البرج على قاعدة ارضية طول ضلعها ثلاثة امتار ونصف المتر ثم يرتفع البرج هرميا حتى يصل طول ضلعه مترين ونصف المتر وهي شبيهة بساعة القشلة الشهيرة في كثير من الوجوه .
ساعة الاعظمية ( 1350 – 1930 م )
يحق لكل عراقي ان يتيه فخرا واعتزازا بكل ما ابدعته اليد العراقية الماهرة في الحقل الصناعي على مر العصور ويزهو بنفسه على ذلك العطاء الثر الذي قدمه للانسانية مساهمة منه في كثير من مجالات الفكر والعلم والفن والصناعة. وقد اثبتت الايام بان كثيرا من القابليات والكفاءات ظلت فترة من الزمن مطوية في عراقنا الحبيب حتى اذا ما تهيأت لها الفرص المسعفة برزت للوجود فبرهنت للملأ على نبوغ العراقي وابداعه في جميع المجالات وكشفت عن قابلياته وجلت مواهبه ونهضت دليلا على ان النبوغ والابداع لا يختصان ببلد دون آخر وينفرد بهما شعب دون سائر الشعوب. وكان من هؤلاء النوابغ المبدعين الذين تهيأت لهم فرص العمل بعصامية فذة وبعقلية مبدعة متطورة المرحوم عبد الرزاق محسوب الاعظمي منشئ الساعة البغدادية المشهورة باسم «ساعة المعرض» او الساعة الاعظمية نسبة الى الامام الاعظم ابي حنيفة .
جامع ابو حنيفة القديم
وتبدأ قصة هذا الصانع الموهوب مع الساعة الاعظمية في عام (1337هـ/1919) يوم اهديت الساعة الكبيرة ذات الوجهين والتي كانت منصوبة في الحضرة الكيلانية كما قدمنا الى جامع الامام الاعظم لتصليحها ونصبها فيه غير ان هذه الساعة كانت قديمة وقد تلف الكثير من اجزائها اثناء رفعها، فطلبت مديرية الاوقاف العامة الى بعض المتعهدين إصلاحها واعنلت عن ذلك في الصحف المحلية فتقدم اليها الحاج عبد الرزاق محسوب الاعظمي وفحصها فوجدها غير صالحة.
ساعة عبد الرزاق محسوب الاعظمي
ثم رادوته فكرة القيام بصنع ساعة مثلها ، وكانت فكرة رائعة تحكمت في احاسيسه ومشاعره حتى اقضت مضجعه في الليل واستنزفت الكثير من وقته في النهار، فراح يرسم خطوطها الرئيسية منذ تلك اللحظة ودب نشاط غير اعتيادي في معمل السيد محسوب الذي راح يوزع الاعمال بين عماله باهتمام بالغ وجدية ملحوظة وفي ذهنه تصميم لصنع ساعة كبيرة مع هيكلها الخاص ذات اربعة اوجه بدلا من تلك الساعة ذات الوجهين وهكذا واصل السيد محسوب عمله المضني في صنع هذه الساعة بمساعدة ولديه السيدين محمد رشيد وعبد الهادي حتى اتم صنعها في عام 1919 وبعد الانتهاء من تنظيمها واجراء بعض التجارب والفحوص عليها امام جمهرة من اهل الخبرة وشاهدي العيان طلب من ادارة الاوقاف تسلمها هبة منه وبدون عوض لتوضع بدلا من تلك الساعة التالفة في جامع الامام الاعظم، الا ان العقليات القاصرة وغير المدركة في الاوقاف حينذاك تشككت في صنعها فأخذت تماطل في ذلك. واخيرا رفضت تسلمها فاحتفظ بها واقام لها برجا حديديا في جانب من معمله الكائن في الاعظمية وقد تجاوزت آفاقه اصداء دقات تلك الساعة وهي تعلن عن الوقت بانتظام وتبارك جهود السيد عبد الرزاق محسوب وعمله المبدع في خدمة بلاده .
وما هو جدير بالذكر ان جميع اجزاء هذه الساعة وآلاتها كانت عراقية الصنع مئة في المئة بحيث لم يستورد اي جزء لها من الخارج اذ قامت بصنعها وهندستها الايدي الفنية العراقية في معمل السيد محسوب وباشرافه .
ولما اقيم المعرض الزراعي الصناعي في حدائق باب المعظم في بغداد والذي افتتح في 7 نيسان 1932م في عهد الملك فيصل الاول كانت هذه الساعة الشامخة والتي فازت بحق وجدارة بالجائزة الاولى من ابرز المعروضات واجدرها باهتمام الجمهور. واخيرا وبعد هذا الفوز الساحق على غيرها من المعروضات وافقت الاوقاف على تسلمها وتسلمتها بالفعل لا لتوضع في جامع الامام الاعظم وانما لتوضع رهن التوقيف والحجز في احد مخازنها فداهمها الصدأ وكادت ان تتلف لولا ان تداركها قرار مجلس الوزراء الصادر بعد ثورة تموز المجيدة عام 1958م والقاضي بالافراج عنها ونصبها على برج يناسبها في جامع الامام الاعظم على ان تقوم به وزارة الاسكان، وبعد وضع التصاميم والخرائط اتجهت النية الى بناء الابواب الرئيسية وسياج الجامع مع برج الساعة. وقد يؤشر بالعمل ونفذ بناء البرج بالكونكريت المسلح على شكل اسطواني وبارتفاع (25)مترا ومحله قرب الباب الرئيسة من جهة الغرب ثم كسي البرج بالفسيفساء الايطالي ذي اللون الازرق والابيض، كما بنيت الابواب على شكل اقواس ثلاثة بالكونكريت المسلح ايضا كما كسيت بنفس النوع من الفسيفساء. وبعد اكمال بناء البرج سنة (1381هـ/1958م) نصبت الساعة المذكورة اعلاه وهي قائمة تعمل بانتظام وبدقة .
وفي سنة 1973م قامت الاوقاف بإكساء البرج بصفائح من معدن الالمنيوم المضلع ذي اللون الذهبي فزاد ذلك من روعة منظره .
اما عن وصف هذه الساعة فقد بلغ ارتفاعها ثمانية اقدام ، وهي ذات وجوه اربعة، وقطر كل وجه منها متران، وعلى كل وجه ثلاثة عقارب، اثنان منها يشيران الى الدقائق والساعات والثالث يشير الى الايام، وصممت هذه الساعة على مبدأ الثقل حيث يتدلى منها ثلاثة اثقال تحرك ثلاثة مكائن ويقع موقع الثقل الاول في الوسط وهو الذي ينظم حركة العقارب وموقع الثاني من الجهة اليمنى وهو الذي ينظم دقات ارباع الساعة، وموقع الثالث في الجهة اليسرى وهو الذي يعلن بدقات قوية عن الوقت، ويبلغ وزنها ثمانية اطنان. وليس ادل على مبلغ ما استأثرت به هذه الساعة من اهتمام رواد المعرض الزراعي الصناعي عراقيين واجانب ما اورده (امين الريحاني) خطيب المعرض المذكور عند افتتاحه فقال يصف المشهد الرائع والحدث المهم في تاريخ النهضة العراقية ، وكان الناس محتشدين حول الساعة العظيمة ـ الاعظمية ـ التي صنعها احد ابناء البلدة المشرفة باسم الامام الاعظم وبحجرته لتعرض في معرض الزراعة والصناعة ببغداد، وكانت الساعة قائمة في باحة المعرض الكبرى فوق قاعدة عالية من الحديد، وهي تردد نبأ الزمان ـ والناس متلعون ، والعيون منهم محدقة بهذا الاثر الصناعي العربي البغدادي الاعظمي ، والكل معجبون به ـ هذه الساعة مفخرة المعرض ، وقد قال احدهم : قد يكون صانعها من سلالة ذلك العربي الذي صنع الساعة التي اهداها الخليفة هارون الرشيد الى عاهل الفرنجة الامبراطور شارلمان .
ساعتا المحطة العالمية
وجدير بالذكر في معرض هذا البحث ان نذكر ساعتي محطة السكك العالمية وقد نصبت هاتان الساعتان على برجين شامخين يرتفعان على واجهة الباب الشرقي من ابواب هذه المحطة التي اكمل بناؤها عام 1955، وما اروع وازهى منظر البرجين وهما يحتضنان القبة الزرقاء ذات الطابع الشرقي الاسلامي .
وقد علت كل برج منهما ساعة كبيرة ذات الوجه الواحد، فالساعة الجنوبية منهما تعلن عن الوقت بالتوقيت الغروبي (العربي) والساعة الشمالية تشير الى الزمن بالتوقيت الزوالي (الافرنجي ) .
ساعة بغداد