بوابة عشتار (بالإنجليزية: Ishtar Gate) بالسريانية ܕܵܪܘܲܐܙܲܐܕܥܵܐܫܬܲܪ) هي البوابة الثامنة لمدينة بابل الداخلية. بناها نبوخذ نصر عام 575 ق.م. في شمالي المدينة اهداء لعشتار إلاهة البابليين. كشف المنقب الألماني روبرت كولدواي في عام 1899م عن أول معالم هذه المدينة. أن باب عشتار الأصلي قد تم الأستيلاء عليه من قبل الألمان في أيام الدولة العثمانية وقد تم تنصيبه ولا زال في متحف البرغامون فيبرلين.والبوابة على اسم الهة الزهرة (عشتار) وهي المتحكمة في امور البشر لانه عشيقة كبار الالهة (اونو، انليل، اشور) وأن بنوخد نصر الثاني بناها حبا لزوجتة مكسوة بكاملها بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون. وكانت مزينة بـ 575شكلا حيوانيا بارزا منها التنين المعروف بالسيروش والثيران. فعلى جدرانها تماثيل جدارية تمثل الأسد والثور والحيوان الخرافي المسمى (مشخشو) وهو رمز الآلة مردوك. في الأصل كان يعتبر البوابة ، كونها جزءا من أسوار بابل ، واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم حتى في القرن 6 ، تم استبداله منارة الإسكندرية. بنيت أصغر استنساخ البوابة في العراق تحت حكم صدام حسين ومدخل المتحف الذي لم يستكمل. وقد وقعت الأضرار منذ الحرب على العراق.
وكانت المواكب تدخل من بوابة عشتار، وهي البوابة الرئيسة لسور المدينة الداخلي، والبوابة الرئيسة إلى شارع الموكب الذي يعد الشارع الرئيس لمدينة بابل والطريق المقدس الذي يربط المدينة ببيت الأحتفالات الدينية المعروف ببيت” أكيتو” ويخترق شارع الموكب من بوابة عشتار في اتجاهه نحو الجنوب، ثم بعد ذلك يمتد حتى يكون بالقرب من الجهة الشرقية للقصر الجنوبي.. ومن خلال البوابة العريقة يتم العبور إلى قناة” ليبيل حيكال” من خلال جسر خشبي إلى معبد (نابو شخاري) الواقع إلى الجهة الغربية. ويستمر الشارع جنوباً أيضاً بمحاذاة سور الزقورة ومعبد أيساكلا منعطفاً غرباً حتى يتم الوصول إلى نهر (أراختو) وهو الجدول المنساب بمياه نهر الفرات.
و لقد أطلق البابليون على القسم الشمالي من الشارع الذي يبدأ من بوابة عشتار شمالي المدينة الداخلية ثم يمتد جنوباً حتى ينحرف غرباً بين زقورة بابل ومعبد مردوخ متصلاً بالجسر المسمى جسر (بور- شابو) ومعنى هذا الاسم (لن يعبر العدو) والقسم الجنوبي من الشارع أطلق عليه اسم عشتار لاماسو أو مياشو وهي عبارة بمعنى عشتار حامية جيوشنا.
و يبلغ أرتفاع باب عشتار مع أبراجه خمسين متراً وعرضها ثمانية أمتار وهو محاط بالأبراج الجميلة والعجيبة، وكانت المواكب تدخل من بوابة عشتار إلى المدينة الداخلية، ويعود بناء بوابة عشتار إلى حقبة سابقة لعهد نبوخذ نصر الكلداني، لكنه أعاد بناءها وتعميرها وتجميلها بحيث غدت أكثر جمالاً وتميزاً وهو من قام بتزيينها بالتنين والثيران، وبالطابوق المصقول المطلي، وهو من وضع الأبواب بعد أن قام بتغطيتها بالنحاس وثبت فيها مغاليق ومفاصل من البرونز

لاشك أن كل من شاهد بوابة عشتار البابلية و هي تزهو شامخة داخل متحف (بيركًامون) في العاصمة الألمانية برلين ، سواءً لدى زيارة ذلك المتحف أو من خلال التلفاز أو حتى رؤية صورها الكثيرة المنتشرة بين صفحات الكتب و المجلات و شبكة المعلومات الألكترونية، لابد أن يتولد لديه جُملة أنطباعات ، لعل أولها ضخامة البُنيان و روعة و دقة التفاصيل الهندسية و الفنية المُنفذة فيها ، توضح الأهمية الرمزية لتلك التحفة المعمارية التي يطغي عليها رهبة و عظمة تليق بشعبٍ كشعب الرافدين الذي شيّدها . بالمقابل ستدور حتماً في الذهن تساؤلات عدة …. كيف شيدت ؟ بماذاترمز؟ كيف صمدت تلك الكسوة الخزفية الملونة التي تغلفها بوجه الزمن و كيف حافظت تلك الصور الرائعة الي تزينها على شكلها و لونها و بريقها طيلة تلك السنين؟ ولعل السؤال الأهم … هو كيف تمكن الألمان من سرقة و نقل هذه الكسوة بما أحتوته من تلك الكمية الهائلة من الآجر الخزفي المزجج ، و من ثم أعادة تركيبها بنفس شكلها و قياساتها الأصلية في ذلك المتحف؟

مع نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين كانت أرض الرافدين على موعد مع صفحة جديدة من الأستكشافات الأثرية العظيمة ، ذلك مع قدوم البدايات الأولى لطور التنقيبات الأثرية العلمية في هذه البلاد التي أبتدأتها البعثات الألمانية في كلاً من الحاضرتين الرافديتين (بابل) للفترة 1899_1914 برئاسة (روبرت كولدوي) ، و (آشور) للفترة 1904_1914 برئاسة (ولتر أندرية) ، مبعوثتان من الجمعية الشرقية الألمانية.
فيما يخص تنقيبات (بابل) فقد حققت نتائج أثرية غاية في الأهمية ، حيث كشفت عن آثار بنائية رائعة تعود للفترة البابلية الحديثة (الكلدية) 626_539 ق.م و الفترات التي لحقتها ، عكست مدى العظمة التي وصلت اليها المدينة التي كانت قمة و خاتمة الحضارة الرافدية القديمة ، خصوصاً في زمن الملك (نبوخذنصر) 604_562 ق.م ، الذي كان واحداً من أعظم الملوك في مجال الأعمار و البناء ، بعد أن قام بحملة كبيرة لتوسيع المدينة و بناء العديد من مرافقها العظيمة ، كذلك أعادة أعمار الأجزاء المُخربة منها نتيجة الحروب السابقة مع (آشور) ، و هذا ما يُستدل عليه من الطابوق المختوم بأسمه و الذي ينتشر في القسم الأكبر من أبنية المدينة.

من بين أهم المعالم المعمارية التي تم الكشف عنها خلال تلك التنقيبات هي أحدى بوابات المدينة عُرفت باسم (بوابة عشتار) ، كانت قد جمعت بين روعة البناء و جمالية التصميم .. ايضاً ما أعطاها جماليتها و رونقها الأخاذ تلك الصور الرائعة التي زينتها ، المعمولة بالآجر الخزفي الملون بالأزرق أضافة الى بعض الألوان الأخرى كالأصفر و الأبيض و الأخضر و البني و الأسود . كذلك جانبي الشارع الذي يتقدمها و يمر من خلالها ليجعل منهما معاً تحفة بهية للنظر . بطريقة تعتبر قمة في المهارة الحرفية و الجودة في الصنع ، تعد تتويجاً للخبرة الطويلة لأبناء الرافدين في هذا النوع من الفنون التي كانت قد أبتدأت منذ فترة عصر الوركاء 3500ق.م ، لتجعل هذه الصور الرائعة تصمد بوجه عوامل الزمن و التقلبات المناخية لتصل الينا بنفس حلتها الرائعة الأولى التي ميّزها أيضاً الأسلوب الفني الراقي و الذوق الرفيع الذي يجمع بين تناسق الألوان و دقة التشكيل و رمزية الأشكال المنفذة و مغزاها.
كانت مدينة (بابل)1 كما كشفت التنقيبات عنها محاطة بسورين هائلين ، كل منهما يحوي عدد من الجدران الضخمة ، (خارجي) يحيط بكل المدينة2 ، و (داخلي) يحيط بالمدينة الملكية الداخلية بما تحتويه من قصور و معابد و أبنية مهمة أخرى3 … و (بوابة عشتار) هي أحدى ثمانية بوابات لهذا السور4 ، شيدت في الجانب الشمالي منه …. السور مكون من جدارين ضخمين مشيدين بالآجر ، يحويان على العديد من الأبراج الدفاعية … الأول و هو الداخلي (الخلفي) سمكه 6,5م أسمه (أمكر_أنليل) ، و الجدار الثاني و هو الخارجي (الأمامي) و سمكه 3,7م أسمه (نمتي_أنليل) … و قد أهديت هذه البوابة من قبل مُشيدها الملك (نبوخذنصر) كما تشير كتابة تذكارية في أحدى جوانبها الى الألهة (عشتار) الهة الحب و الحرب الرافدية ، و منها عرفت باسمها هذا . لكن الأسم الحرفي الصحيح لها هو (عشتار قاهرة أعدائها) ، و بالأكدية/البابلية (أشتار شاكيبات تبَيشا).

وهذه البوابة ضخمة جداً متكونة من مدخلين متقابلين أي أنها بوابة مزدوجة5 … المدخل الأمامي تمثله البوابة الصغرى المعروضة كسوتها حاليأً في متحف (بيركًامون) و تقع تحديداً في الجدار الخارجي من السور الداخلي … و خلفها مباشرة المدخل الخلفي ، و المُتمثل ببوابة أخرى داخلية أضخم حجماً من الأمامية ومشابهة لها ، تقع عند الجدار الداخلي من السور الداخلي ، و قد تم سرقة كسوتها الخزفية أيضاً مع الصغرى لكنها غير معروضة لكبر و ضخامة حجمها…. و يفصل بين البوابتين الممر الفاصل بين جداري السور و الذي كان عرضه بحدود 10م ……. بالنسبة للبوابة الأمامية ، فعرضها بحدود 45م ، و أرتفاعها بحدود 21,5م ، يتوسطها المدخل ذو العقد الدائري بعرض حوالي 8م ، و أرتفاع حوالي 11,5م ، و يبرز على جانبيه برجين ضخمين كل منهما بعرض 10,5م ، و أرتفاع 28,5م ، و هو يمثل الأرتفاع الكلي لهذه البوابة مع الشرفات (المُقرنصات) التي تعلوها … علماً أن ما معروض من كسوة البوابة بعد أعادة تركيبها في المتحف الألماني يقل أرتفاعاً بحدود 5م عن الأرتفاع الأصلي و ذلك ليتناسب مع أرتفاع سقف المتحف . أما البوابة الخلفية (الكبرى) التي للأسف و بالرغم من مرور كل تلك السنين على سرقة كسوتها ، ألا أن غالبية الناس لا تعرف شيئاً عنها ، أو حتى بوجودها أصلاً في ذلك المتحف ، كونها غير معروضة كحال الأخرى لعدم أمكانية ذلك بسبب ضخامة حجمها الهائل كما سبق . و قد بقيت محفوظة بكاملها و مُخزنة بشكل مجزأ ، بعد ترميمها و تبويب شكلها الهندسي الكامل ، بحالٍ مهيأ فيما لو تقرر يوماً أعادة تشييدها الى جانب الأخرى …عرض هذه البوابة بحدود 70م ، و ارتفاعها مع الشرفات بحدود 40م ، أما البرجين البارزين على جانبي المدخل فعرض كل مهما حوالي 14م و بأرتفاع مع الشرفات يقارب 46م و يمثل الأرتفاع الكلي لها . علمأ أن مدخل هذه البوابة بنفس حجم و شكل البوابة الأمامية.

يتقدم البوابتين و يمر من خلالهما شارع طويل بطول 220م ، و عرض 21م . رصفت أرضيته بالواح من الحجر الكلسي الأبيض و حجر (البريسيا) الأحمر ، يستمر في مسيرته بعد مروره مدخلي البوابة حتى وسط المدينة حيث تقوم زقورة بابل الشهيرة … تعارف على تسميته ب(شارع الموكب) ، لكن أسمه الصحيح (عشتار حامية جُيوشها) ، و بالأكدية/البابلية (أشتار لاماسو أومايشو) … زيّن الجدارين الجانبيين للشارع و المشيدين بأسلوب الطلعات و الدخلات قبل مروره بالبوابة بأزارة من الآجر الخزفي المزجج بأرتفاع حوالي 2,5م تحوي صوراً رائعة معمولة بنفس أسلوب صور البوابة . أن تسمية الشارع بهذه الأسم يوضح بشكل كبير معنى تلك الصور المنفذة على الجانبين ، و المتمثلة بصف من الأسود (رمز الالهة عشتار) تسير على أرض خضراء بأسلوب يذكرنا بالمنحوتات الآشورية الحارسة التي نحتت بوضع المسير . تمثل الصور60 أسداً في كل جانب بمسيرة مُدبرة عن المدينة ، يحدّها من الأعلى و الأسفل شريطين بلون أزرق يرمزان الى الرافدين الخالدين دجلة (أيدكًالات) ، و الفرات (بوراتو) .. زين كل منهما بصف من أزهار (البابونج) البيضاء6 رمز الربيع و علامة الأنتصار ، ليكون معنى اللوحة ، أن (عشتار) تسير دوماً مع جيوش (بابل) حين تخرج من المدينة في طريقها للحرب ، لتكون مرافقة و حامية لمسيرة تلك الجيوش ، يجريان معها مياهي دجلة و الفرات ليجلبا الخير لها و يبعدا عنها شبح العطش خلال حربها .. (وهذا الشيء لازال يُعمل به حتى اليوم ، أي بسكب الماء خلف المسافرين أو الساعين لأمر ما لتسهيل أمرهم و تحقيق غايتهم) … مانحة بذات الوقت تلك الجيوش أزهار أنتصارهم البيضاء على الأعداء (أزهار البابونج).

أما البوابة فقد غلفت مدخليها الضخمين ، تلك الكتلتين الهائلتين من الطابوق الأصم كسوة من الآجر المزجج أحتوت صوراً رائعة أعطت البناء حياةً و روحاً و جمالية ، أزالت عنه الجمود و الرتابة لتجعله كأنه يتكلم ، حيث ترتبط صورها مع صور جانبي الشارع في وحدة فنية متكاملة . يظهر فيها زوج الألهة (عشتار) الأله (أدد)7 مرموزاً له بالثور ، الى جانبه كبير آلهة البابليين و زعيمها الأله (مردوخ) الذي يُسمى بالأكدية/البابلية (موشخوشو) أو (موشروشو) و يرُمز اليه بالتنين المُركب ، قد وقف الى جانب (أدد) ، ليظهرا معاً على واجهة البوابة الزرقاء التي ترمز الى زرقة السماء ، بشكل صفوف متناوبة ، لتبدو تلك الآلهة كأنها سابحة في موطنها السرمدي في أعالي الكون ، يقومون معاً بوداع (عشتار) و هي ذاهبة الى الحرب الى جانب جيوش (بابل) ، كما وضّح الفنان بأسلوب فني فلسفي رائع زرقة السماء و هي تمنح مياه الرافدين الى (عشتار) لتسقي بها جيوشها خلال الحرب . لتكوّن الصور بمُجملها بمثابة (بانوراما) خالدة بطلتها الهة الخصب و الحرب الرافدية .. أضافة الى ذلك صنع الفنان أيضاً لوحتين تجريديتين رائعتين متماثلتي الشكل وضعتا الى جانبي البوابة لتكملا معاً مبدأ التناظر الفني الذي أعتمد بشكل واضح في هذا العمل الفني الباهر . تظهر في هذه اللوحة (عشتار) و كأنها وسط روضة من بساتين الفردوس الألهي الذي تنعم بها ، أحتوت رموزاً نباتية رائعة ، أبرزها النخلة ، التي عُملت بحجم أكبر في أعلى اللوحة ، مانحاً أياها أعتباراً خاصاً لهذا الرمز الرافدي الخالد ، لتبدو (عشتار) كأنها حارسة المدينة و حاميتها و المدافعة عنها و عن سكانها.

بعد الأطلاع على الحجم الهائل للبوابتين (الأمامية و الخلفية) مع كسوتيهما من الآجر الخزفي المزجج ، يصبح من العسير التصور كيف تمت سرقة و نقل كل هذه الكمية الهائلة من الكسوة الخزفية بتلك السرية التامة الى العاصمة الألمانية ، ثم أعادة تركيبها هناك … لقد كانت تلك العملية بحق لا تقل ضخامة و دقة و جهد و تخطيط عن عملية تشييد البوابة نفسها …… أن الشيء الذي لابد من توضيحه أن مدينة (بابل) بالرغم من فخامة و عظمة الأبنية التي تم الكشف عنها هناك ، ألا أنها من وجهة النظر الآثارية كانت فقيرة نسبياً باللقى الأثرية بشكل لا يتناسب و حجم و أهمية تلك المدينة العظيمة . و هذا طبعاً ليس بمُستغرب لمدينة تعرضت للأحتلال عدة مرات ، تم على أثر ذلك و على مر السنين نهب و نقل معظم ممتلكاتها ، و تزامن هذا مع حالات الهجر المنظم لسكانها بعد أن فقدت أهميتها و بريقها الحضاري ، حيث تم خلالها نقل البقية الباقية من تلك الممتلكات (الآثار) الى أماكن أستيطانهم الجديدة …. لذلك كانت البعثة الألمانية برئاسة (كولدوي) و بعد بضع سنوات من العمل المضني في هذه المدينة قد أدركت هذه الحقيقة ، فبدأت تشعر بالحرج أمام الجهة الممولة و هي كما أسلف (الجمعية الشرقية الألمانية) ، لعدم تزويد هذه المؤسسة بكميات من الآثار المكتشفة تتناسب و كمية الأموال الطائلة التي صرفتها لأجراء تلك التنقيبات ….. من المهم ذكره أيضاً ، أن المؤسسات العلمية الداعمة و الممولة للبعثات التنقيبية لم يكن لديها أستعداد في كل الأحوال خصوصاً خلال تلك الحقبة الزمنية بالرغم من دعواتها لأجراء تنقيبات علمية صحيحة لتحّمل تلك التكاليف المادية الكبيرة دون أن تحصل بالمقابل أضافة الى المعلومات العلمية التي يتم الأفادة مادياً من عملية نشرها ، على كمية من الآثار المنقولة ذات القيمتين المادية و العلمية لتمليء بها و تزيّن قاعات المتاحف التي تكون عادة الواجهة الدعائية لتلك المؤسسات …. لذلك تقرر سرقة كسوة تلك البوابة و نقلها الى المانيا للتعويض عن قلة الآثار المرسلة الى هناك . لقد تمت هذه الجريمة البشعة في عام 1910 بعد أكمال التنقيب في البوابة ، باقتراح من عالم الآثار (ولتر أندرية) ، الذي كان بالرغم من عمله في مدينة (آشور) كان يتردد أيضاً على مدينة (بابل) و يتابع العمل فيها هناك .. ليتبنى بنفسه هذا المشروع برمته ، من تفكيك الكسوة الخزفية و تسجيلها و توثيقها ، ثم عملية نقلها الى بلده و أعادة تركيبها هناك بنفس شكلها السابق ….. كان (أرنست ولتر أندرية) 1875_1956 أضافة الى كونه عالم آثار ممتاز ، فأنه أيضاً كان مهندساً معمارياً من الطراز الأول و على مستوى عالي جداً من الدهاء و الخبث ، والأهم أنه كان قريباً جداً من المخابرات الألمانية مما جعله يتمتع بنوع من السطوة على جميع البعثات العلمية الألمانية العاملة في العراق آنذاك و بكافة المجالات . كان ذا شخصية قوية جداً ، غامضة و غير مُحبة للظهور ، و يفضل دائماً العمل في الظل ، و قد تمكن خلال فترة قياسية من تشكيل شبكة علاقات واسعة مع شيوخ العشائر العراقية و المتنفذين في المجتمع العراقي ، ساعده في هذا أجادته التامة للألغة العربية ، و يتبين كل ذلك في الكيفية و الأسلوب الذي أدار بها عملية السرقة ، ثم عملية النقل و التهريب . حيث بدأ بمقدرته المعمارية العالية برفع قطع الكسوة الخزفية بعد ترقيمها و فق مخططات هندسية و فنية خاصة من جانبها الأسفل مع الأسناد و التثبيت للقطع العلوية ، بنفس الوقت كان يتم دفن الأجزاء التي تم رفع كسوتها مباشرة بحجة حمايتها من العوامل المناخية … و قد تطلب ذلك وقتاً و جهداً و تنظيماً غير عادي ، أستمر لأكثر من عامين ، تم خلالها رفع الكسوة بكاملها من البوابتين أضافة الى الأزارة على جانبي (شارع الموكب) . بالمقابل تم دفن البوابتين و الشارع لأخفاء دلائل تلك الجريمة النكراء التي لم يتم الانتباه اليها بسبب انشغال السلطات العثمانية بواقعها المُنهار خلال تلك الفترة ، لاسيما أن الحرب العالمية كانت على الأبواب … و قد أستغلها الألمان (أفضل) أستغلال … لقد كانت القطع الخزفية التي يتم رفعها يتم تخزينها مباشرة مع القش لحمايتها في براميل مخصصة لحفظ الفحم الحجري المستخدم في تسيير السفن و القطارات للتمويه .. كما كان يتم نقل تلك البراميل تدريجياً الى منطقة اليوسفية لتأمينها لدى أحد شيوخ عشائرها الذي كان أحد أصدقاء (أندرية) المقربين ، و الذي للأسف لم يتم تحديد شخصيته التي ظلت مجهولة حتى اليوم .. كما لم تعرف الحقيقة فيما لو كان ذلك الشيخ على علم بمحتوى تلك البراميل و متواطئاً مع الألمان ، أم أنه كان مخدوعاً بطيب نية بأحتواء تلك البراميل على الفحم الحجري …. ثم على مدار عامين آخرين 1912_1914 كان يتم نقل تلك البراميل بواسطة الأكلاك عبر نهر الفرات الى شط العرب حيث تتلقفها السفن الألمانية …. هكذا و بهذه الطريقة الخبيثة تم سرقة و نقل كامل الكسوة الخزفية التي تغلف البوابتين الى متحف (بيركًامون) عام 1914 مع الابقاء و المحافظة على سرية وجدودها هناك . ثم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، تم أعادة تركيب كسوة البوابة الأمامية (الصغرى) بأشراف كامل من (ولتر أندرية) و استناداً الى الترقيم و المخططات التي قام بوضعها ، كما تم الاعلان عن وجودها في ذلك المتحف رسمياً أمام وسائل الأعلام العالمية آنذاك.

الهوامش
1- تعتبر مدينه (بابل) أكبر مدن العالم القديم قاطبة … و هي مستطيلة الشكل يقسمها نهر الفرات الى قسمين … يبلغ محيطها 18كم .. مساحتها بحدود 10000كم2.
2- يتكون هذا السور من ثلاث جدران الأول (الداخلي) مشيد باللبن وسُمكه 7م و الثاني مشيد بالآجر و سُمكه7م أيضاً ، أما الثالث (الخارجي) فقد شيد بالآجر أيضاً و بسُمك3م يتقدمه خندق للماء.
3- المسافة بين السورين كانت بحدود 2كم ، و قد خصصت لزراعة البساتين المُثمرة ، كذلك لسكنى بعضاً من عامة الناس ، في مقدمتهم العاملين في زراعة تلك البساتين.
4- كل بوابة من هذه البوابات سميت بأسم أحد الآلهة ، و من خلال كل منها يمر شارع كبير سمي بنفس أسم بوابته … و أسماء البوابات الأخرى هي …. (مردوخ) ، (أدد) ، (أنليل) ، (شمش) ، (سين) ، (نابو) ، (زبابا).
5- من ملاحظة شكل و تصميم البوابة نرى أنه مشابه الى حد بعيد لتصميم بوابات المدن الآشورية ، و خاصة بوابة (نركًال) أكبر بوابات مدينة (نينوى) … و هذا شيء طبيعي حيث أعتبر (الكلديون) أنفسهم أنهم ورثة الآشوريين في حكم بلاد الرافدين ، بالتالي لهم الحق في اقتباس معظم المقومات الحضارية منهم.
6- زهرة (البابونج) ، رمز آشوري واضح يظهر دوماً في المنحوتات الآشورية . و هي من ضمن الرموز العديدة التي أقتبسها منهم (الكلديون) بعد فرض سيطرتهم على وادي الرافدين.
7- بعد أنحسار دور السومريين السياسي في مطلع الألف الثاني ق.م أضمحلت بالمقابل أهمية بعضاً من آلهتهم التاريخية ، و منها الأله (تموز) اله الخصب و النماء … فأستعيض عنه بالأله (أدد) ليكون زوجاً للألهة (عشتار) و شريكاً لها في ممارسة الزواج السنوي المقدس في أعياد رأس السنة الرافدية ، و هذا الأله هو أحد أبرز الآلهة السامية ، هو اله البرق و الأمطار و الزوابع .. و قد أخذ نفس رمز و شكل الاله (تموز) ألا و هو الثور.

 

المصادر:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=460487

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا