الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

الـقـسـم الأوّل :

بـدايـة ظـهـور الـعـرب في الـنّـصـوص الآشـوريـة :

تـأتي مـعـرفـتـنـا بـتـاريـخ الـعـرب في الألـف الأوّل قـبـل الـمـيـلاد خـاصـة مـن الـنّـصـوص الآشـوريـة والـبـابـلـيـة الـحـديـثـة الّـتي كـانـت تـسـتـعـمـل الـلـغـة الأكّـديـة (بـالـلـهـجـتـيـن الـبـابـلـيـة والآشـوريـة) والـمـسـجـلـة بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة. وقـد وجـد الـمـنـقـبـون كـثـيـراً مـن الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة الّـتي كـانـت تـسـجّـل الأحـداث الـمـهـمـة لـكـلّ سـنـة مـن سـنـوات حـكـم مـلـوكـهـا مـكـتـوبـة عـلى ألـواح طـيـنـيـة أو مـنـقـوشـة عـلى الألـواح الـحـجـريـة الّـتي كـانـت تـغـطي جـدران قـصـورهـم. كـمـا وجـدوا نـصـوصـاً إداريـة مـهـمّـة وخـاصـة وثـائـق الـعـهـود الّـتي بـرمـوهـا مـع جـيـرانـهـم أو الـضّـرائـب الّـتي فـرضـوهـا عـلـيـهـم وجـبـوهـا مـنـهـم.

وقـبـل أن نـبـدأ بـالـكـلام عـن الـعـرب في الـنّـصـوص الآشـوريـة والـبـابـلـيـة أودّ أن أذكـر الـقـارئ بـأنّ الـلـغـة الأكّـديـة (الـبـابـلـيـة ــ الآشـوريـة) لا تـفـرّق في كـتـابـتـهـا الـمـسـمـاريـة بـيـن الـتّـاء والـثّـاء والـطـاء فـهي تـكـتـبـهـا كـلّـهـا بـالـتّـاء، كـمـا أنّـهـا لا تـفـرّق بـيـن الـدّال والـذّال ولا بـيـن الـهـمـزة والـعـيـن، ولـيـس فـيـهـا ضـاد ولا ظـاء، مـمـا يـجـعـل إيـجـاد الـلـفـظ الـصّـحـيـح لـلأسـمـاء الـعـربـيـة الـمـذكـورة فـيـهـا شـديـد الـصّـعـوبـة. ويـمـكـن إذن إيـجـاد نـفـس هـذه الأسـمـاء مـكـتـوبـة بـطـريـقـة مـخـتـلـفـة في دراسـات أخـرى.

أوّل ذكـر لـلـعـرب في الـتّـاريـخ :

ظهـرت كـلـمـة “العـربي” لأوّل مـرّة  في الـتّـاريـخ  في نـصّ  لـلـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـالـث يـفـتـخـر فـيـه بـانـتـصـاره سـنـة  853 قـبـل الـمـيـلاد في معـركـة قـرقـر عـلى تـحـالـف “مـلـوك” مـنـاطـق غــرب نهـر الـفـرات. وكـان مـن بـيـنـهـم  جـنـدبُ “العـربي” الّـذي شـارك بـألـف جـمـل يـركـبـهـا ألـف مـقـاتـل.  والـنّـص مـنـقـوش عـلى مـسـلّـة حـجـريـة تـدعى بـ “حـجـر كُـرخ” مـحـفـوظـة في الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن.

مـعـركـة قـرقـر :

وقـعـت مـعـركـة قـرقـر سـنـة 853 قـبـل الـمـيـلاد، قـرب قـريـة قـرقـر في وادي نـهـر الـكـلـب في سـوريـا. وكـان الـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـالـث قـد أراد الـوصـول إلى مـا لـم يـسـتـطـع أبـوه الـمـلـك آشـور نـاصـربـال تـحـقـيـقـه، أي الـسّـيـطـرة عـلى شـمـال سـوريـا ومـنـطـقـة سـيـلـيـسـيـا. وبـدأ بـتـعـزيـز سـيـطـرتـه عـلى شـمـال الـفـرات الّـذي شـيّـد فـيـه عـدداً مـن الـحـصـون، ثـمّ جـمـع جـيـشـاً جـرّاراً سـيّـره إلى سـوريـا ومـنـطـقـة سـيـلـيـسـيـا. ووصـل جـيـشـه إلى وسـط سـوريـا، وهـنـاك لاقى قـوّات كـلّ مـمـالـك الـمـنـطـقـة الّـتي اجـتـمـعـت لـقـتـالـه.

ويـسـجـل الـنّـصّ الّـذي أمـر سـلـمـان أصـر الـثّـالـث بـنـقـشـه بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة عـن مـعـركـة قـرقـر أعـداد الـمـقـاتـلـيـن في صـفـوف قـوّات الـمـمـالـك الـصّـغـيـرة الـمـعـاديـة ولـكـنّـهـا لـم تـذكـر أعـداد الـجـنـود الآشـوريـيـن. ويـمـكـنـنـا أن نـتـصـوّر أنّـهـم كـانـوا عـلى الأقـل بـنـفـس كـثـرة أعـدائـهـم. كـمـا ذكـر مـؤلـفـو “سِـفـر الـمـلـوك” في الـتّـوراة أعـداداً مـخـتـلـفـة. وكـانـت غـالـبـيـة جـنـود الآشـوريـيـن مـن الـمـشـاة، وكـان بـيـنـهـم أعـداد كـبـيـرة مـن الـرّمـاة تـحـمـيـهـم صـفـوف مـن حـامـلي الـرّمـاح الـمـدرعـيـن والـمـحـتـمـيـن بـالـتّـروس. وكـان في الـجـيـش خـيّـالـة، وعـربـات ثـقـيـلـة يـركـبـهـا ثـلاثـة أو أربـعـة مـن الـجـنـود وتـجـرّهـا أربعـة خـيـول تـهـجـم عـلى خـطـوط الأعـداء لـتـفـتـح فـيـهـا ثـغـرات. أمّـا قـوّات الـتّـحـالـف الّـتي واجـهـتـهـم فـقـد بـعـثـتـهـا مـمـالـك مـتـنـافـسـة كـانـت تـتـقـاتـل في مـا بـيـنـهـا قـبـل أن يـجـمـعـهـا الـخـطـر الـمـشـتـرك : قـوات حـداد إدري مـلـك دمـشـق الآرامي، وإرحـولـيـني مـلـك حـمـاه، وأشـعـب مـلـك إسـرائـيـل، وجِـنـدبُ مـلـك الـعـرب إلى جـانـب قـوّات الـمـدن الـفـنـيـقـيـة : أوسـنُ وجـبـيـل وعـرقـا وشـيـانُ، وكـتـيـبـة مـصـريـة. وكـانـت أعـداد جـنـودهـم تـتـنـاسـب مـع قـدرات كــلّ مـنـهـم  وإمـكـانـيـاتـه. ولا شـكّ في أنّ الـنّـصّ بـالـغ في أهـمـيـتـهـا لـيـزيـد مـن قـيـمـة انـتـصـاره عـلـيـهـا.

ولـم يـذكـر الـنّـقـش ولا الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة كـيـف جـرت الـمـعـركـة، ولـكـنّ حـولـيـات سـلـمـان أصـر الـثّـالـث تـذكـر أنّـه انـتـصـر عـلى أربـعـة عـشـر ألـف جـنـدي. ونـعـرف مـنـهـا أنّ قـوّات الآشـوريـيـن انـسـحـبـت مـن الـمـنـطـقـة بـعـد الـمـعـركـة، ولـم تـحـاصـر عـواصـم الـمـمـالـك الّـتي تـحـالـفـت ضـدّهـا. وتـذكـر الـنّـصـوص الآشـوريـة عـدداً مـن الـمـنـاوشـات في الـسّـنـوات الـتّـالـيـة وبـعـض هـجـمـات آشـوريـة عـلى مـدن الـمـتـحـالـفـيـن ضـدّهـم.

ومـازال الـبـاحـثـون يـتـنـاقـشـون في مـعـنى كـلـمـة “عـربي” في هـذا الـنّـصّ : هـل تـعـني  مـن كـان يـنـتـمي إلى أٌقـوام مـخـتـلـفـة عـن سـائـر الأقـوام الـسّـامـيـة لـهـم لـغـتـهـم الـخـاصـة وتـركـيـبـاتـهـم الـسّـيـاسـيـة والإجـتـمـاعـيـة الـخـاصـة بـهـم، أم تـعـني مـن يـنـتـمى إلى قـبـائـل الـرّحـل مـهـمـا كـانـت لـغـتـه وانـتـمـاؤه الـقـومي.

الآشـوريـون والـعـرب :

وكـان الآشـوريـون يـحـرسـون الـحـدود الـجـنـوبـيـة الـغـربـيـة لـدولـتهـم ويـراقـبـونـهـا بـحـذر، فـقـد كـانـت بـلاد الـعـرب تـلامـس حـدودهـم: تـبـدأ في الـبـاديـة غـرب الـفـرات. وكـان الـعـرب إمّـا أعـرابـاً بـدواً يـتـنـقّـلـون مـع قـطـعـانـهـم، أو تـجّـاراً يـتـنـقـلـون لـبـيـع وشـراء الـبـضـائـع في قـوافـل، أو مـسـلـحـيـن يـحـمـون الـقـوافـل أو مـزارعـيـن أو رعـاة في واحـات واسـعـة مـثـل تـدمـر وتـيـمـاء ودومـة الـجـنـدل (دومـاتـو بـالـلـغـة الأكّـديـة) وديـدان (وادي الـعـلا). وكـانـت هـذه الـواحـات مـراكـز ديـنـيـة أيـضـاً يـلـتـقي فـيـهـا الـبـدو والـحـضـر في الأعـيـاد. ويـبـدو أنّ تـيـمـاء كـانـت مـركـز عـبـادة سـيـن، إلـه الـشّـمـس، بـيـنـمـا كـانـت أتّـر سـمـيـن (أتّـر الـسّـمـاوات) أهـمّ آلـهـة دومـة الـجـنـدل. وكـان الآشـوريـيـون يـشـبّـهـون أتّـر سـمـيـن بـعـشـتـار.

وكـان مـن مـارسـوا الـتّـجـارة مـن الـعـرب قـد دخـلـوا في الـهـلال الـخـصـيـب مـنـذ الـقـرن الـثّـامـن ق. م. وأقـام بـعـضـهـم فـيـه. وكـانـت قـوافـلـهـم قـوافـل جـمـال، وبـهـذا امـتـازوا عـلى بـاقي تـجّـار الـشّـرق الأدنى الّـذيـن لـم يـكـونـوا يـمـتـلـكـون إلّا الـحـمـيـر. وهي حـيـوانـات أقـلّ مـقـاومـة مـن الـجـمـال وأقـلّ تـحـمّـلاً لـقـسـاوة الـبـيـئـة والـطّـقـس. وكـانـت أعـداد الـجـمـال في قـوافـلـهـم تـصـل في بـعـض الأحـيـان إلى 300 جـمـل يـصـحـبـهـا مـا يـقـارب هـذ الـعـدد مـن الـرّجـال. وكـانـوا يـتـاجـرون بـسـلـع ثـمـيـنـة : مـنـتـوجـات الـيـمـن مـن عـطـور وبـخـور ولـبـان، كـمـا كـانـوا يـتـاجـرون بـالـصّـوف الـمـصـبـوغ بـالأرجـوان وبـالـحـديـد والـبـلـق الألـبـاتـري وكـلّ مـا كـانـت حـيـاة الـتّـرف والـبـذخ شـرقي الـفـرات، في آشـور وبـابـل، تـحـتـاج إلـيـه. يـشـتـرونـهـا في مـصـر ويـوصـلـونـهـا بـأقـصـر الـطّـرق وأسـرعـهـا مـن الـبـحـر الأحـمـر إلى بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن.

وكـانـت هـذه الـطّـريـق طـويـلـة في الـبـدايـة : يـمـرّون بـداخـل مـنـاطـق الـهـلال الـخـصـيـب الـمـأهـولـة بـالـسّـاكـنـيـن ويـجـتـازون أكـثـر مـن 1800 كـلـم. ثـمّ اخـتـصـروهـا إلى أقـلّ مـن نـصـفـهـا عـنـدمـا سـلـكـوا طـريـق دمـشـق إلى الـفـرات مـروراً بـتـدمـر. ثـمّ دفـعـهـم إقـدامـهـم إلى سـلـوك طـريـقـيـن جـنـوبـيـتـيـن : تـنـطـلـق أولاهـمـا مـن الـبـحـر الأحـمـر إلى تـيـمـاء ثـمّ دومـة الـجـنـدل وتـصـل إلى بـلاد بـابـل ، بـيـنـمـا تـتـجـه الـثّـانـيـة إلى يـثـرب ثـمّ حـائـل لـتـصـل مـبـاشـرة إلى أور في بـلاد سـومـر.

وكـانـت الـقـوافـل تـجـتـاز الـصّـحـراء في ظـروف شـديـدة الـقـسـوة مـع أنّـهـا كـانـت تـتـحـاشى الأشـهـر الّـتي تـشـتـدّ فـيـهـا الـحـرارة. وكـانـت تـسـيـر ابـتـداءً مـن كـانـون الأوّل وتـتـوقـف بـعـد شـهـرآذار. كـمـا كـانـت عـرضـة لـلـنّـهـب والـسّـلـب والـهـلاك. وكـان الـتّـجـار يـدفـعـون أحـيـانـاً مـكـوسـاً لـلآشـوريـيـن لـيـمـرّوا في الـمـنـاطـق الّـتي يـحـكـمـونـهـا. وتـذكـر حـولـيـات الـمـلـك الآشـوري تـغـلـت فـلـيـسـر الـثّـالـث أنّـه اسـتـلـم مـن مـمـلـكـة سـبـأ ومـن قـبـائـل شـمـال جـزيـرة الـعـرب جـمـالاً وأنـواعـاً مـن الـتّـوابـل والـعـطـور. وكـانـوا يـعـتـمـدون عـلى أنـفـسـهـم في حـمـايـة قـوافـلـهـم عـنـدمـا لـم تـعـد هـذه الـمـنـاطـق تـحـت سـيـطـرة الآشـوريـيـن ولـم يـعـد هـنـاك قـوّات تـحـمـيـهـا.

وكـان بـعـض هـؤلاء الـعـرب قـد اسـتـوطـنـوا في بـلاد بـابـل مـنـذ الـقـرن الـثّـامـن قـبـل الـمـيـلاد. مـنـهـم مـن كـانـوا يـزرعـون الأرض ومـنـهـم مـن كـانـوا يـبـيـعـون الـسّـلـع الّـتي تـجـلـبـهـا الـقـوافـل أو يـتـاجـرون بـهـا مـع مـدن غـرب الـجـزيـرة الـعـربـيـة.

أمّـا الأعـراب الـرّحـل فـقـد كـانـوا بـعـيـديـن تـمـام الـبـعـد عـن حـيـاة الـمـتـحـضـريـن. وقـد تـفـنـن كـتّـاب الآشـوريـيـن ونـحّـاتـوهـم في إظـهـارغـرابـة حـيـاة هـؤلاء الأعـراب وعـاداتـهـم. فـالـمـقـاطـع الّـتي خـصـصـهـا لـهـم كـتّـاب الـدّيـوان في الـنّـصـوص الـرّسـمـيـة تـعـدّ مـن بـيـن أجـمـل مـا كـتـبـوا، والـمـنـحـوتـات الـجـداريـة الّـتي تـروي حـروب الآشـوريـيـن ضـدّهـم كـانـت تـغـطي جـدران قـاعـة كـامـلـة في قـصـر الـمـلـك آشـوربـانـيـبـال في نـيـنـوى. ويـمـكـنـنـا أن نـفـهـم دهـشـة الآشـوريـيـن مـن عـادات هـؤلاء الأعـراب ومـن تـقـالـيـدهـم، فـقـد كـانـوا يـعـيـشـون في خـيـام، وبـعـض قـبـائـلـهـم تـحـكـمـهـا مـلـكـات يـصـطـحـبـن مـعـهـنّ أصـنـام آلـهـتـهـنّ في تـنـقـلاتـهـنّ.

ورغـم أنّ الآشـوريـيـن كـانـوا يـعـرفـون جـيـرانـهـم الأعـراب مـعـرفـة جـيّـدة، أحـسـن بـكـثـيـر مـمـا كـانـوا يـعـرفـون أقـوام أنـضـولـيـا مـثـلاً، فـهـم لـم يـنـتـبـهـوا لـمـا كـان يـجـري مـنـذ نـهـايـة الـقـرن الـثّـامـن قـبـل الـمـيـلاد، أي تـقـدم الـعـرب نـحـو عـدّة مـنـاطـق في نـفـس الـوقـت. فـقـد وسـعـوا أمـاكـن تـنـقّـلـهـم نـحـو دمـشـق ونـحـو تـدمـر ونـحـو شـرق الأردن. ولـم يـكـن هـذا الـتّـوسـع في نـظـر الآشـوريـيـن إلّا غـزوات نـهـب كـانـت تـجـري بـعـيـداً عـنـهـم، في أطـراف دولـتـهـم. ولـم يـنـتـبـهـوا إلى أنّ حـركـة الـتّـوسّـع تـلـك كـانـت حـركـة عـمـيـقـة الـتّـجـذر انـطـلـقـت مـن جـنـوب الـجـزيـرة الـعـربـيـة واخـتـرقـتـهـا بـكـامـلـهـا، ولـم يـنـتـبـهـوا إلى أهـمـيـة الـغـنـائـم الّـتي اكـتـسـبـوهـا في تـقـدّمـهـم في الـمـنـاطـق الّـتي تـغـلّـبـواعـلـيـهـا.

الـقـسـم الـثّـاني :

الـعـرب في الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة الآشـوريـة  :

رأيـنـا في الـقـسـم الأوّل مـن هـذا الـبـحـث كـيـف ظهـرت كـلـمـة “العـربي” لأوّل مـرّة في الـتّـاريـخ  في نـصّ  لـلـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـالـث في سـنـة  853. وسـنـتـكـلّـم في هـذا الـقـسـم عـن عـلاقـات الـعـرب بـالآشـوريـيـن في الـقـرنـيـن الـثّـامـن والـسّـابـع قـبـل الـمـيـلاد خـلال حـكـم تـجـلـت فـلـيـسـر الـثّـالـث وسـرجـون الـثّـاني وسـنـحـاريـب  وعـسـر حـدون.

وأودّ أن أذكـر الـقـارئ هـنـا مـرّة ثـانـيـة بـأنّ الـلـغـة الأكّـديـة (الـبـابـلـيـة ــ الآشـوريـة) لا تـفـرّق في كـتـابـتـهـا الـمـسـمـاريـة بـيـن الـتّـاء والـثّـاء والـطـاء فـهي تـكـتـبـهـا كـلّـهـا بـالـتّـاء، كـمـا أنّـهـا لا تـفـرّق بـيـن الـدّال والـذّال ولا بـيـن الـهـمـزة والـعـيـن، ولـيـس فـيـهـا ضـاد ولا ظـاء. كـمـا أنّ الـجـيـم تـلـفـظ فـيـهـا دائـمـاً مـثـل الـجـيـم الـمـصـريـة في (يـا جـدع) أو الـقـاف الـبـغـداديـة في (قـلـبي) مـمـا يـجـعـل إيـجـاد الـلـفـظ الـصّـحـيـح لـلأسـمـاء الـمـذكـورة فـيـهـا شـديـد الـصّـعـوبـة. ويـمـكـن إذن إيـجـاد نـفـس هـذه الأسـمـاء مـكـتـوبـة بـطـرق مـخـتـلـفـة : فـنـجـد اسـم الـمـلـك الآشـوري تـجـلـت فـلـيـسـر الـثّـالـث : (إسـمـه بـالآشـوريـة : تـوكـولـتي أبِـل إشّـارا، حـكـم بـيـن 745 و 727 قـبـل الـمـيـلاد)، مـكـتـوبـاً في الـمـنـشـورات الـعـربـيـة : تـجـلـت أو تـغـلـت أو تـقـلـت مـثـلاً .

تـوسّـعـت الـدّولـة الآشـوريـة تـوسـعـاً كـبـيـراً نـحـو الغـرب في الـقـرن الـثّـامـن قـبـل الـمـيـلاد، وهـكـذا ازداد ظهـور العـرب في الـنّـصـوص الآشــوريـة بـازديـاد عـلاقـاتهـم بهـم. ونجـد في 738  قـبـل الـمـيـلاد، بـيـن مـن دفـع الـضّـرائـب لـلـمـلـك الآشـوري تـجـلـت فـلـيـسر الـثّـالـث  “زبـيـبـة ، مـلـكـة العـرب”.

كـمـا تـذكـر أجـزاء مـن لـوح مـهـشّـم مـن نـفـس الـفـتـرة أنّ الـمـلـك الآشـوري اسـتـولى، بـعـد أن قـمـع تـمـرداً  ضـدّه، عـدة أراضي مـن بـيـنـهـا مـضـارب إديـبي إلـو (عـديـبي عـلـو؟) الـعـربي.

وبـعـد أربـع سـنـوات مـن ذلـك، نـقـرأ في نـصّ آشــوري أنّ “شــمـسي مـلـكـة العـرب” كـانـت قـد “نـكـثـت عـهـدهـا [الّـذي أقـسـمـت عـلـيـه] أمـام [الإلـه] شـمـش” وتـحـالـفـت ضـدّ الآشــوريـيـن مـع  صـور ودمـشـق وإسـرائـيـل. وقـد هـربـت ناجـيـة بـنـفـسـهـا بعـد انـتـصـار الجـيـش الآشـوري عـلى قـوّات الـتّحالـف.

ويـذكـر الـمـلـك في الـنّـصّ  : “أمّـا شـمـسي، مـلـكـة الـعـرب في تـلّ سـقـوري، فـقـد قـتـلـتُ 9400 مـن مـقـاتـلـيـهـا، وأسـرت مـائـة ألـف مـن رجـالـهـا، وأخـذت 30،000 مـن جـمـالـهـا و20،000 رأس مـن قـطـعـانـهـا، و5000 حِـقّ مـلـيـئـة بـالـتّـوابـل، وأخـذت آلـهـتـهـا ومـمـتـلـكـاتـهـا. ولـكي تـنـجـو بـنـفـسـهـا هـربَـت إلى الـبـاديـة مـثـل أتـان. وأشـعـلـتُ الـنّـار في مـا بـقي مـن خـيـامـهـا. وشـمـسي الّـتي ارتـعـبـت مـن قـوة سـلاحي جـاءت إلى آشـور ووقـفـت بـيـن يـديَّ وجـلـبـت لي مـعـهـا الـبـعـران والـنّـوق وصـغـار الإبـل. وعـيّـنـتُ مـسـؤولاً (قـيـفـو) لـيـشـرف عـلـيـهـا، وجـاء عـشـرة آلاف مـقـاتـل يـركـعـون أمـامي ويـقـبـلـون قـدمَيَّ : أقـوام مـسـع وتـيـمـاء وسـبـأ وحـيّـافـة وبـدانـو وخـطّي وإدبـا أيـلـو (عـدبـا عـيـلـو) مـن الـبـلاد الّـتي تـغـرب عـلـيـهـا الـشّـمـس”.

سـلّـمـت شـمـسي نـفـسـهـا إذن لـلـمـلـك الآشــوري فـعـفـا عـنهـا وأبـقـاهـا مـلـكـة عـلى العـرب ولـكـن تحـت إشــراف مســؤول آشــوري. ويـظـهـر مـن الـغـنـائـم الّـتي أخـذهـا تـغـلـت فـلـيـسـر مـن شـمـسي والّـتي صـارت مـن نـصـيـب ابـنـه ولـيـد الـعـهـد سـرجـون، أنّ مـمـتـلـكـاتـهـا لـم تـكـن تـأتـيـهـا مـن مـراعـيـهـا فـقـط وإنّـمـا مـن مـشـاركـتـهـا في تـجـارة الـقـوافـل. كـمـا يـدلّ قـرار الـمـلـك الآشـوري بـإبـقـاء شـمـسي “مـلـكـة عـلى الـعـرب” رغـم تـمـرداتـهـا عـلى رغـبـتـه في أنّ تـسـتـمـر تـجـارة الـقـوافـل الّـتي كـانـت تـمـرّ بـأراضي دولـتـه وفي تـحـاشي أن تـؤثـر الإضـطـرابـات عـلـيـهـا.

كـمـا أنّ سـيـاسـة الآشـوريـيـن كـانـت في اسـتـعـمـال الـعـرب مـثـل قـبـيـلـة عـدبي عـيـلـو لـيـحـرسـوا لـهـم بـعـض حـدودهـم، وقـد عـيّـن شـيـخـهـم “حـارسـاً (أتـوتـو)” لـحـدود جـنـوب غـرب فـلـسـطـيـن، أي الـحـدود مـع مـصـر.

ونـجـد في قـوائـم أسـمـاء الـبـدو في نـصـوص زمـن تـجـلـت فـلـيـسـر: قـبـائـل مـسـع (أو مـسـعـة) وتـيـمـاء وسـبـأ وحـفـا (أو خـفـا) وبَـدانـا وحـطـيـطـا (أو خـطـيـطـا) وإدبـا إيـلا (أو عـدبي عـيـلا).

سـرجـون الـثّـاني :

وبعـد عـدّة ســنـوات، نـقـرأ في نـصّ لـلـمـلـك ســرجـون الـثّـاني (إسـمـه بـالآشـوريـة : شَـرو كـيـن، أي الـمـلـك الـشّـرعي أو الـمـلـك الـحـق. حـكـم مـن 721 إلى  705 ق. م.) يـعـود إلى الـسّـنـة الـخـامـسـة مـن حـكـمـه أي 716 ق. م. عـن انـتـصـاره عـلى  أقـوام ثـمـود  وعـبـاديـدي  ومـرسـيـمـاني  وعـفـه  “مـن الـعـرب الّـذيـن يـسـكـنـون أمـاكـن بـعـيـدة مـن الـبـاديـة”، ونـفى مـن نـجـا مـنـهـم مـن الـقـتـل إلى فـلـسـطـيـن. كـمـا ذكـر نـفـس الـنّـصّ أنّـه اسـتـلـم ضـرائـب مـن فـرعـون مـصـر ومـن شـمـسي، مـلـكـة الـعـرب، ومـن مـلـك ســبـأ.

ونـحـن لا نـعـرف إلّا الـقـلـيـل عـن الـتّـنـظـيـم الـسّـيـاسي لـلـعـرب في ذلـك الـزّمـن. ونـعـرف مـثـلاً أنّـهـم كـانـوا يـنـتـمـون إلى قـبـائـل، وأنّ هـذه الـقـبـائـل كـانـت تـتـجـمّـع أحـيـانـاً تـحـت رئـاسـة شـيـخ واحـد. وكـانـت قـبـائـل قِـدَر الـمـجـمـوعـة الـرّئـيـسـيـة لـلـعـرب في سـوريـا وشـمـال جـزيـرة الـعـرب. كـمـا ذكـرت الـنّـصـوص قـبـائـل ثـمـود وبـنـيـوت ومـسـع الّـتي كـانـت مـضـاربـهـا بـيـن تـيـمـاء ودومـة الـجـنـدل. وتـسـمي الـنّـصـوص رؤسـاءهـم “مـلـوكـاً”، وكـان لـهـم كـمـا رأيـنـا “مـلـكـات”. وربّـمـا كـانـت “الـمـلـكـات”  كـاهـنـات أيـضـاً.

ونـجـد في قـوائـم أسـمـاء الـبـدو في نـصـوص زمـن سـرجـون الـثّـاني : قـبـائـل حَـيـافـا و ثـمـودي وإبـادي (عـبـادي) ومـرسـيـمـاني. وتـذكـر نـصـوص زمـن الـمـلـك سـرجـون : “شـيـخ (نـسـيـكـو) مـديـنـة لَـبَـن” رئـيـس إحـدى هـذه الـقـبـائـل الّـذي كـان مـسـؤولاً عـن وادي العـريـش وعـن بـدو سـيـنـاء. كـمـا تـذكـر الـمـسـلّـة الّـتي وجـدت في مـوقـع نـمـرود أنّ “نـاس مـصـر والـعـرب” ارتـعـبـوا عـنـدمـا سـمـعـوا بـانـتـصـارات سـرجـون الـثّـاني الـبـطـولـيـة، وربّـمـا دلّـنـا ذلـك عـلى أنّ بـعـض الـعـرب في الـقـرن الـثّـامـن قـبـل الـمـيـلاد كـانـوا قـد اسـتـقـرّوا في سـيـنـاء.

سـنحـاريـب :

وقـد كـان سـنـحـاريـب، إبـن الـمـلـك سـرجـون الـثّـاني (إسـمـه بـالآشـوريـة : سـيـن أخي إربـا، حـكـم مـن سـنـة 705 إلى سـنـة 681 قـبـل الـمـيـلاد) يـعـامـل الـعـرب بـنـفـس الـطّـريـقـة الّـتي كـان يـعـامـل بـهـا كـلّ أقـوام أطـراف دولـتـه : يـفـاوضـهـم ويـتـفـاهـم مـعـهـم عـنـدمـا يـسـتـطـيـع ذلـك. ويـلـجـأ إلى الـعـنـف والـقـوّة إذا اسـتـدعى الأمـر ذلـك.

ولـكـنّ طـبـيـعـة الـعـلاقـات بـيـن الآشـوريـيـن والـعـرب تـغـيّـرت عـنـدمـا حـدثـت اضـطـرابـات في بـابـل وأصـبـحـت مـصـدر هـمّ الآشـوريـيـن الـرّئـيـسي. وكـان الـعـرب قـد تـحـالـفـوا مـع الـمـتـمـرديـن (الّـذيـن نـصـبـوا الــكـلـداني مـيـروداخ بـالَـدان الـثّـاني مـلـكـاً عـلى بـابـل) ضـدّ الآشـوريـيـن. وقـد قـاد سـنـحـاريـب أولى حـمـلاتـه الـعـسـكـريـة في 703 ق. م. ضـدّ تـمـرّد الـكـلـدانـيـيـن ورئـيـسـهـم مـيـروداخ بـالـدان في بـابـل، والّـذيـن كـان يـسـانـدهـم جـيـش عـيـلامي. وبـعـد أن هـرب مـيـروداخ بـالـدان وانـتـصـر سـنـحـاريـب عـلـيـهـم وفـتـح بـابـل وخـرّبـهـا سـنـة 689 ق. م. أسـر عـدداً مـن قـادة الـتّـمـرّد ومـن بـيـنـهـم  “بـاسـقـانـو شـقـيـق يـاتـيـعي، مـلـكـة الـعـرب”. وهـذه هي الـمـرّة الأولى الّـتي يـذكـر فـيـهـا نـصّ آشـوري جـمـاعـة مـن الـعـرب في بـابـل.

وقـد بـعـث مـلـك سـبـأ كـربـيـئـل لـسـنـحـاريـب بـعـد انـتـصـاره عـلى بـابـل عـطـوراً وأحـجـار كـريـمـة. وقـد أودعـهـا سـنـحـاريـب في أسـاس بـنـاء مـعـبـد رأس الـسّـنـة الـجـديـد الّـذي أمـر بـتـشـيـيـده في مـديـنـة آشـور.

وبـعـد نـهـايـة سـرد حـمـلـة سـنـحـاريـب الـثّـامـنـة (691 ق. م.) ذكـرت الـحـولـيـات مـطـاردة قـوّات آشـوريـة لـمـجـمـوعـة مـن أعـراب الـبـاديـة يـقـودهـا خـزعـل “مـلـك قِـدَر”، وتـعـلـهـونُ  “مـلـكـة الـعـرب”. وقـد انـتـصـرت عـلـيـهـم وطـاردتـهـم حـتّى أدومـاتـو (دومـة الـجـنـدل) في شـمـال جـزيـرة الـعـرب. وبـعـثـت تـعـلـهـونُ أسـيـرة إلى بـلاد آشـور مـع كـلّ الـغـنـائـم الّـتي نـهـبـت مـن عـشـيـرتـهـا ومـن بـيـنـهـا أصـنـام آلـهـة الـعـرب. أمّـا خـزعـل فـقـد احـتـفـظ بـسـلـطـتـه ولـكـن عـلى شـرط أن يـدفـع ضـريـبـة فـادحـة لـلآشـوريـيـن.

ولـم تـكـن لـلآشـوريـيـن هـذه الـعـلاقـات الـمـتـوتـرة إلّا مـع بـعـض الـعـرب، أمّـا بـعـضـهـم الآخـر فـقـد أدركـوا أن مـصـالـحـهـم وخـاصـة الـتّـجـاريـة مـنـهـا تـجـبـرهـم عـلى تـقـبّـل سـيـطـرة الـمـلـوك الآشـوريـيـن، سـلاطـيـن جـزء كـبـيـر مـن الـعـالـم في ذلـك الـزّمـن. ونـجـد في الـنّـصـوص الإداريـة الآشـوريـة ذكـراً لـهـدايـا بـعـثـهـا سـكـان واحـة تـيـمـاء مـثّـلاً.  وكـانـت سـيـاسـة الآشـوريـيـن عـامـة تـهـدف إلى إدخـال الـعـرب تـحـت سـيـطـرتـهـم لـمـراقـبـتـهـم أوّلاً وكـذلـك لـجـذب قـوافـلـهـم الـتّـجـاريـة نـحـو الـمـوانئ الـتّـابـعـة لـهـم.

عـسـر حـدون :

وتـقـصّ عـلـيـنـا حـولـيـات الـمـلـك عـسـر حـدون، إبـن الـمـلـك سـنـحـاريـب (إسـمـه بـالآشـوريـة : آشـور أخـا إدّيـنـا. حـكـم مـن 680 إلى 669 ق. م.) تـكـمـلـة مـا حـدث لـخـزعـل “مـلـك قِـدَر”، فـقـد رجـا خـزعـل الـمـلـك الآشـوري أن يـعـيـد لـه أصـنـام آلـهـتـه الّـتي كـان سـنـحـاريـب قـد نـقـلـهـا إلى آشـور. وقـد اسـتـجـاب عـسـر حـدون لـطـلـبـه عـلى شـرط أن يـزيـد مـن الـضّـريـبـة الّـتي كـان يـدفـعـهـا لـلـمـلـك. وبـعـد مـوت خـزعـل، حـوالي سـنـة 677 ق.م. وافـق الـمـلـك الآشـوري عـلى تـعـيـيـن ابـنـه يـوثـع خـلـفـاً لـه. وبـالـمـقـابـل أضـاف يـوثـع عـلى الـضـريـبـة الّـتي كـان يـدفـعـهـا أبـوه : “عـشـر (مـيـنـا) مـن الـذّهـب و 1000 مـن الأحـجـار الـكـريـمـة وخـمـسـيـن جـمـلاً وألـف حـقّ مـن الـجـلـد مـلـيـئـة بـالـتّـوابـل”. وقـد سـاعـد الـمـلـك الآشـوري يـوثـع بـن خـزعـل عـلى الإنـتـصـار عـلى مـنـافـسـيـه وإقـرار سـلـطـتـه.

ويـذكـر نـصّ يـعـود تـاريـخ كـتـابـتـه إلى سـنـة 673 ق. م. تـمـرد عـوابـو وحـلـفـائـه مـن عـرب كـالـيـشُ عـلى سـلـطـة يـوثـع بـن خـزعـل، وقـمـع يـوثـع لـلـتـمـرد بـمـسـاعـدة الآشـوريـيـن. ولـكـنّ يـوثـع تـمـرد عـلى الـمـلـك الآشـوري بـدلاً مـن الإعـتـراف لـه بـجـمـيـلـه. وهـرب أمـام الـقـوات الآشـوريـة الّـتي سـارت نـحـوه سـنـة 669 ق.م. وأخـذت مـن جـديـد “آلـهـة الـعـرب” ومـن بـيـنـهـا أتـر سـمـايـن إلى مـديـنـة نـيـنـوى، ورهـنـت فـيـهـا إلى أن أعـادهـا لـهـم بـعـد ذلـك آشـوربـانـيـبـال بـن عـسـر حـدون.

وتـذكّـر نـصـوص آشـوريـة سـجّـلـت في أيّـار 676 ق. ك. أنّ الـمـلـك عـسـرحـدون فـرض تـروبـة (الّـتي تـسـمـيـهـا بـعـض نـسـخ هـذه الـنّـصـوص تـبـوعـة) الّـتي كـانـت قـد تـربّـت في بـلاط نـيـنـوى “مـلـكـة  عـلى الـعـرب”، وبـعـثـهـا إلى أدومـاتـو (دومـة الـجـنـدل) مـع أصـنـام آلـهـة الـعـرب الّـتي أرجـعـهـا لـهـم.

كـمـا تـذكـر الـحـولـيـات لـنـفـس الـعـام حـمـلـة عـسـرحـدون ضـدّ أرض بـازو الّـتي يـعـتـقـد كـثـيـر مـن الـبـاحـثـيـن أنّـهـا تـقـع في بـاديـة الـعـرب، ويـقـرّبـون كـلـمـة بـازو مـن بـاصـو الّـتي تـعـني “الـرّمـل”. وتـصـفـهـا الـنّـصـوص الآشـوريـة بـأنّـهـا : “فـلاة قـاحـلـة، تـغـطـيـهـا الأمـلاح، لا مـاء فـيـهـا”، وأنّـهـا : “عـلى مـسـيـرة 140 بـيـرو (1500 كـلـم.) تـغـطـيـهـا الـرّمـال والأشـواك والـصّـخـور الـقـاطـعـة، وتـغـطي 20 بـيـرو مـنـهـا ثـعـابـيـن وعـقـارب بـأعـداد الـنّـمـال”. وكـان حـكّـام هـذه الـفـلـوات : يـافَـع ولـيـالي وقـيـسُ وأكـبـرُ (أغـبـرُ). وطـبـعـاً فـقـد انـتـصر عـلـيـهـم الـمـلـك وأدخـلـهـم في طـاعـتـه.

وسـار عـسـرحـدون سـنـة 671 ق. م. إلى مـصـر لـفـتـحـهـا، وكـان أوّل مـلـك آسـيـوي يـخـتـرق الـبـحـر الأحـمـر نـحـو أفـريـقـيـا. وقـد طـلـب مـن “عـرب الـغـرب” أي الّـمـقـيـمـيـن في مـا وراء وادي الـعـريـش أن يـسـاعـدوا جـيـشـه لاخـتـراق صـحـراء سـيـنـاء.

ويـذكـر الـنّـقـش الآشـوري الّـذي سـجـل وقـائـع هـذه الـحـمـلـة عـلى لـسـان الـمـلـك : “عـنـدمـا أوحى ربّي آشـور لـعـرّافـه أن يـجـيـب عـلى طـلـبي [لـفـتـح مـصـر]، إبـتـهـج فـؤادي. ومـدّني كـلّ مـلـوك الـعـرب بـجـمـال حـمّـلـت عـلـيـهـا قِـرب الـمـاء”.

ورغـم أنّـه لـيـس في الـنّـص تـفـاصـيـل عـن أعـداد الـجـمـال وقِـرب الـمـاء فـيـمـكـنـنـا أن نـتـصـوّر مـدى أهـمـيـة مـسـاعـدة الـعـرب لـلـجـيـش الآشـوري بـتـقـريـبـهـا مـن مـا حـدث في حـمـلـتـيـن عـسـكـريـتـيـن حـديـثـتـيـن : أولاهـمـا مـسـيـرة جـيـش الـجـنـرال الـفـرنـسي نـابـلـيـون بـونـابـرت مـن مـصـر إلى فـلـسـطـيـن في شـبـاط 1799 خـلال حـمـلـتـه عـلى مـصـر، وثـانـيـتـهـمـا مـسـيـرة الـجـيـش الـعـثـمـاني نـحـو قـنـاة الـسّـويـس في كـانـون الـثّـاني 1915. وقـد وجـد الـبـاحـثـون أنّ سـدّ حـاجـات ألـف جـنـدي مـن الـطّـعـام والـشّـراب لـمـدّة ثـلاثـة أيّـام يـتـطـلّـب عـلى الأقـل حـمـولـة مـائـتي جـمـل. ويـنـبـغي أن يـضـاف إلى ذلـك مـتـطـلـبـات الـخـيـل الّـتي هي أضـعـاف مـا يـحـتـاجـه الـرّجـال.

ويـبـدو أنّ سـنـحـاريـب، والـد عـسـر حـدون كـان قـد أنـشـأ قـوّات مـن الـعـرب ألـحـقـهـا بـجـيـشـه بـعـد حـمـلـتـه ضـدّ عـرب أدومـاتـو (دومـة الـجـنـدل). ولـهـذا أسـمـاه الـمـؤرخ الإغـريـقي هـيـرودوت (الّـذي زار بـلاد مـا بـيـن الـنـهـريـن في الـقـرن الـخـامـس قـبـل الـمـيـلاد) بـ”سـنـحـاريـب، مـلـك الـعـرب والآشـوريـيـن”. ويـمـكـن أن يـفـسّـر هـذا مـسـاعـدة الـعـرب لـلـجـيـش الآشـوري الـجـرّار عـلى اخـتـراق صـحـراء سـيـنـاء، وهـو حـدث لـم يـسـبـق لـه نـظـيـر، وإن تـجـدد بـعـد ذلـك في حـمـلـة آشـوربـانـيـبـال الـثّـاني بـن عـسـرحـدون، وفي حـمـلـة الـمـلـك الـفـارسي الأخـمـيـني قـمـبـيـز بـن كـورش الـكـبـيـر ضـدّ مـصـر، وهـو مـا سـنـراه في الـقـسـم الـثّـالـث مـن هـذا الـبـحـث.

الـقـسـم الـثـالـث : 

الـعـرب في زمـن آشـوربـانـيـبـال :

رأيـنـا في الـقـسـم الأوّل مـن هـذا الـبـحـث كـيـف ظهـرت كـلـمـة “العـربي” لأوّل مـرّة في الـتّـاريـخ  في نـصّ  لـلـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـالـث في سـنـة  853 قـبـل الـمـيـلاد، وتـكـلّـمـنـا في الـقـسـم الـثّـاني عـن عـلاقـات الـعـرب بـالآشـوريـيـن في الـقـرنـيـن الـثّـامـن والـسّـابـع قـبـل الـمـيـلاد خـلال حـكـم تـجـلـت فـلـيـسـر الـثّـالـث وسـرجـون الـثّـاني وسـنـحـاريـب  وعـسـرحـدون. وسـنـتـكـلّـم في هـذا الـقـسـم عـن الـعـرب والآشـوريـيـن في زمـن الـمـلـك آشـوربـانـيـبـال.

آشـوربـانـيـبـال :

خـلـف آشـوربـانـيـبـال أبـاه عـسـر حـدون عـلى الـعـرش في 669 ق. م. (حـكـم مـن 669 إلى 627 ق. م.) ولـكـن ذكـر أخـبـار الـعـرب في الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة لـم يـبـدأ إلّا في 649 ق. م. أي بـعـد عـشـريـن عـامـاً مـن اعـتـلائـه الـعـرش.

وقـد رأيـنـا كـيـف لـم يـنـتـبـه الآشـوريـون لـمـا كـان يـجـري مـنـذ نـهـايـة الـقـرن الـثّـامـن قـبـل الـمـيـلاد، أي تـقـدم الـعـرب نـحـو عـدّة مـنـاطـق مـن الـهـلال الـخـصـيـب في نـفـس الـوقـت. فـقـد وسـعـوا أمـاكـن تـنـقّـلـهـم نـحـو دمـشـق ونـحـو تـدمـر ونـحـو شـرق الأردن. ولـم يـكـن هـذا الـتّـوسـع في نـظـر الآشـوريـيـن إلّا غـزوات نـهـب كـانـت تـجـري بـعـيـداً عـنـهـم، في أطـراف دولـتـهـم. ولـم يـنـتـبـهـوا إلى أنّ حـركـة الـتّـوسّـع تـلـك كـانـت حـركـة عـمـيـقـة الـتّـجـذر انـطـلـقـت مـن جـنـوب الـجـزيـرة الـعـربـيـة واخـتـرقـتـهـا بـكـامـلـهـا، ولـم يـنـتـبـهـوا إلى أهـمـيـة الـغـنـائـم الّـتي اكـتـسـبـهـا الـعـرب في تـقـدّمـهـم في الـمـنـاطـق الّـتي تـغـلّـبـوا عـلـيـهـا.

ومـرّت سـنـوات طـويـلـة قـبـل أن يـدرك الآشـوريـون أنّ هـؤلاء الأعـراب لـم يـأتـوا لـلـغـزو فـقـط ثـمّ يـنـسـحـبـون إلى الـبـاديـة، بـل كـانـوا قـبـائـل كـامـلـة تـتـقـدم في الأراضي الّـتي كـانـت تـحـت سـلـطـة الـمـلـك الآشـوري يـسـبـقـهـا مـقـاتـلـون يـشـقّـون لـهـا الـطّـريـق.

وعـنـدهـا بـدأ جـنـود الآشـوريـيـن وحـلـفـاءهـم الـمـؤابـيـيـن يـقـاتـلـوهـم لـيـوقـفـوا تـقـدّمـهـم. وكـانـوا إذا مـا انـتـصـروا عـلـيـهـم لا يـكـتـفـون بـأسـر مـقـاتـلـيـهـم والإسـتـيـلاء عـلى الـجـمـال الّـتي يـقـاتـلـون عـلـيـهـا ، وإنـمـا كـانـوا يـتـابـعـون مـلـكـهـم الـمـغـلـوب لأخـذ : “آلـهـتـه وامـرأتـه وعـائـلـتـه ورجـال قـبـيـلـتـه وحـمـيـره وإبـلـه وغـنـمـه”.

ومـع ذلـك نـجـحـت حـمـلات هـؤلاء الـعـرب في تـقـلـيـص سـيـطـرة الآشـوريـيـن عـلى مـنـاطـق غـرب الـفـرات، فـبـيـنـمـا وصـلـت مـمـتـلـكـات سـنـحـاريـب، جـدّ آشـوربـانـيـبـال إلى دومـة الـجـنـدل ، لـم يـسـتـطـع حـفـيـده آشـوربـانـيـبـال إلّا أن يـقـاتـلـهـم لـلـدّفـاع عـن مـنـاطـق هـاجـمـوهـا تـبـعـد عـن دومـة الـجـنـدل بـأكـثـر مـن 500 كـلـم. نـحـو الـشّـمـال. ونـصـبـت قـبـائـل قِـدَر مـضـاربـهـا عـلى الـحـدود الـشّـرقـيـة لـمـمـلـكـة مـؤاب (الّـتي كـانـت تـقـع شـرق الـبـحـر الـمـيّـت) الـمـحـالـفـة لـلآشـوريـيـن. وكـانت هـذه الـقـبـائـل في طـريـقـهـا لـلـتّـحـضّـر مـثـل جـيـرانـهـا الّـذيـن تـحـضّـروا مـنـذ قـرون عـديـدة.

أمّـا في داخـل الـبـاديـة فـقـد تـحـالـفـت عـدّة قـبـائـل حـول الإلـه أتّـر سـمـايـن (أتـر الـسّـمـوات). وكـانـت الـحـولـيـات الآشـوريـة تـسـتـعـمـل كـلـمـة “الـعـشـيـرة” لـنـعـت هـذا الـتّـجـمـع الّـذي كـان يـشـبـه نـواة لـتـشـكـيـل دولـة. وهـو نـوع مـن الـتّـحـالـف يـحـتـرم سـلـطـة كـلّ شـيـخ مـن شـيـوخ الـقـبـائـل الّـتي تـشـكّـلـه عـلى قـومـه. ويـقـسـم كـلّ واحـد مـنـهـم عـلى طـاعـة إلـه مـشـتـرك، ويـرفـض طـاعـة واحـد مـنـهـم يـسـتـولي عـلى الـرّئـاسـة.

ورغـم أنّ الـنّـحـاتـيـن الآشـوريـيـن صـوّروا هـؤلاء الأعـراب شـبـه عـراة لا تـحـيـط خـصـورهـم إلّا قـطـع قـمـاش، فـهـم لـم يـكـونـوا في الـحـقـيـقـة فـقـراء مـحـتـاجـيـن، فـقـد اسـتـطـاعـوا في زمـن عـسـر حـدون، والـد آشـوربـانـيـبـال أن يـدفـعـوا كـلّ عـام ضـريـبـة مـقـدارهـا عـشـرة أرطـال مـن الـذّهـب وألـف حـجـر (لا نـعـرف هـل كـانـت كـلّـهـا كـريـمـة) وألـف كـيـس مـن الـتّـوابـل وخـمـسـيـن جـمـلاً. ودفـعـوا فـوق ذلـك لابـنـه آشـوربـانـيـبـال كُـحـلاً وحـمـيـراً.

وقـد كـان سـنـحـاريـب، جـدّ آشـوربـانـيـبـال يـعـامـل الـعـرب بـنـفـس الـطّـريـقـة الّـتي كـان يـعـامـل بـهـا كـلّ أقـوام أطـراف دولـتـه : يـفـاوضـهـم ويـتـفـاهـم مـعـهـم عـنـدمـا يـسـتـطـيـع ذلـك. ويـلـجـأ إلى الـعـنـف والـقـوّة إذا اسـتـدعى الأمـر ذلـك. وعـنـدمـا خـلـف عـسـرحـدون أبـاه سـنـحـاريـب عـامـلـهـم مـثـلـمـا عـامـلـهـم أبـوه مـن قـبـلـه، ولـكـنّـه حـاول أن يـصـالـحـهـم ويـسـالـمـهـم مـا اسـتـطـاع إلى ذلـك سـبـيـلا، رغـبـة في إحـلال الـسّـلام في دولـتـه مـن جـهـة، واحـتـيـاجـاً لـجـمـالـهـم مـن جـهـة أخـرى لـيـسـاعـدوه في عـبـور سـيـنـاء لـفـتـح مـصـر. وقـد “أرجـع لـهـم إلـهـتـهـم الّـتي أخـذت مـنـهـم في الـبـاديـة”. وكـان يـرجـو أن تـبـاركـه “آلـهـة الـبـلاد الّـتي لـمـست أرض مـعـابـدهـا الأقـدام.”

ثـمّ اسـتـمـرّ آشـوربـانـيـبـال في إقـامـة عـلاقـات تـفـاهـم مـع مـمـلـكـة الـعـرب الـقِـدَريـيـن. وكـمـا فـعـل أبـوه فـقـد أرجـع لـهـم صـنـم إلـهـهـم أتـر، ثـمّ عـقـد مـعـاهـدة مـع رئـيـسـهـم  يـوثــع يـعـتـرف لـه فـيـهـا بـأنّـه “مـلـك الـعـرب”. وبـالـمـقـابـل، طـلـب آشـوربـانـيـبـال مـن يـوثـع أن يـتـكـفّـل بـحـفـظ الأمـن في بـاديـة شـرق نـهـر الأردن لـحـسـاب الآشـوريـيـن. واسـتـمـرّت هـذه الـعـلاقـات الـطّـيـبـة حـوالي خـمـس عـشـرة سـنـة قـبـل أن تـتـدهـور.

وتـتـكـلّـم الـنّـصـوص الـمـلـكـيـة الآشـوريـة عـن الـخـلافـات بـيـن الآشـوريـيـن والـمـؤابـيـيـن والـبـابـلـيـيـن والـعـرب. ولا شـكّ في أنّ لـهـذه الـنّـصـوص قـيـمـة لا تـقـدّر فـهـي تـسـرد أحـداثـاً شـهـدهـا الـكـتّـاب عـنـد وقـوعـهـا. ولـكـنّـهـم لاقـوا صـعـوبـات في صـيـاغـتـهـا أدبـيـاً فـقـد خـلـطـوا بـيـن أسـمـاء أجـنـبـيـة لـم يـتـعـودوا عـلى لـفـظـهـا وكـتـبـوهـا بـطـريـقـة يـصـعـب فـهـمـهـا في بـعـض الأحـيـان. ولـم يـتـسـاءل الآشـوريـون، كـعـادتـهـم عـن رأي الآخـريـن بـهـم ولا حـتّى عـن أسـبـاب تـصـرفـاتـهـم ودوافـعـهـا. وإذا مـا قـرأنـا الـنّـصـوص الآشـوريـة نـتـصـور مـن خـلالـهـا أنّ تـصـرفـات شـيـوخ الـعـرب لـيـس لـهـا أسـبـاب مـعـقـولـة أو مـنـطـقـيـة بـل هي تـقـلّـبـات عـشـوائـيـة لا يـمـكـن لأحـد أن يـتـنـبـأ بـهـا ولـهـذا لا يـنـبـغي أن يـحـسـب لـهـا حـسـاب. ويـصـعـب عـلـيـنـا أن نـتـقـبـل وجـهـة الـنّـظـر هـذه ، لأنـنـا نـعـرف مـثـلاً أنّ الـعـرب الأنـبـاط كـانـوا تـجّـاراً أذكـيـاء يـعـرفـون مـصـالـحـهـم، ولا يـمـكـن أن يـتـصـرفـوا إلّا بـتـعـقـل مـع دولـة يـعـرفـون مـدى قـوّتـهـا وتـسـلـطـهـا.

وقـد نـتـج عـن قـلّـة مـعـرفـة الآشـوريـيـن بـجـيـرانـهـم أن قـامـوا ضـدّ الأعـراب بـحـمـلات عـسـكـريـة بـلـغـت الـذّروة في عـنـفـهـا. ولـكـنّ هـذه الـحـمـلات خـفّـت وقـلّـت ابـتـداءً مـن سـنـة 651 ق. م. وأصـبـحـت لـمـدة سـبـع سـنـوات بـعـدهـا هـامـشـيـة وقـصـيـرة ومـتـقـطّـعـة. ووجـه الآشـوريـون حـمـلاتـهـم خـلال تـلـك الـسّـنـوات نـحـو جـبـهـتـيـن : الـحـدود الـشّـرقـيـة لـمـمـلـكـة مـؤاب، ثـمّ جـنـوب دمـشـق وتـدمـر.

الـعـرب وتـمـرّد شـمـش شُـم أوكـيـن في بـابـل :

نـذكّـر الـقـارئ هـنـا إلى أنّـه بـعـد أن تـوفي الـمـلـك عـسـرحـدون ارتـقى ابـنـه آشـوربـانـيـبـال عـلى عـرش آشـور. وكـان أخـوه شـمـش شُـم أوكـيـن الأكـبـر مـنـه سـنّـاً قـد نـحي عـن الـعـرش، فـعـيّـنـه آشـوربـانـيـبـال مـلـكـاً عـلى بـابـل. وفي 650 ق. م. أعـلـن شـمـش شُـم أوكـيـن في بـابـل تـمـرده عـلى أخـيـه مـلـك آشـور. وبـعـث آشـوربـانـيـبـال جـيـشـاً لـيـقـمـع الإنـفـصـال.

وقـد قـاتـل الآشـوريـون الـعـرب عـلى جـبـهـتـيـن : الأولى أمـام بـابـل، فـقـد هـزمـت الـقـوّات الآشـوريـة كـتـيـبـة مـن الـعـرب كـان عـلى رأسـهـا أبي يـثـع وأيـامـو إبـنـا طـيـعـري لـمـنـعـهـا مـن الـوصـول لـمـسـانـدة الـمـتـمـرديـن. وقـد هـرب مـن نـجـا مـن مـقـاتـلـيـهـا إلى بـابـل. ثـمّ حـاولـوا الـخـروج مـن الـمـديـنـة الـمـحـاصـرة بـعـد أن حـلّـت بـهـا الـمـجـاعـة ولـكـنّ الآشـوريـيـن هـزمـوهـم مـن جـديـد. ولـم يـبـق لأبي يـثـع إلّا أن يـهـرب إلى نـيـنـوى لـيـطـلـب الـعـفـو مـن الـمـلـك الآشـوري آشـوربـانـيـبـال. وصـفـح عـنـه الـمـلـك وعـيّـنـه “مـلـكـاً عـلى الـعـرب” في مـكـان يـوثـع بـن خـزعـل.

أمّـا الـجـبـهـة الـثّـانـيـة فـكـانـت عـلى حـدود دولـة الآشـوريـيـن الـغـربـيـة، فـقـد أثـارت غـزوات الـعـرب الـقِـدَريـيـن لـبـلاد مـؤاب غـضـبـهـم. وكـان إلى جـانـب يـوثـع “مـلـك الـعـرب” شـيـخ آخـر لـقـبـيـلـة مـن الـقِـدريـيـن اسـمـه عـمّـولادي. ويـذكـر نـصّ آشـوري أنّ رجـال يـوثـع “لـم يـنـوا عـن غـزو الـغـرب، ولـكـنّ [الـقـوّات الآشـوريـة] قـطـعـت رؤوس كـلّ الـعـرب الـمـتـمـرديـن … وأشـعـلـت الـنّـار في خـيـامـهـم وأحـرقـتـهـا”. ونـجـا يـوثـع بـنـفـسـه والـتّـجـأ إلى بـلاد الأنـبـاط. بـيـنـمـا تـوصّـل مـلـك مـؤاب إلى أسـر عـمّـولادي. كـمـا أسـرت عـديـة،”مـلـكـة الـعـرب”، الّـتي ربّـمـا كـانـت زوجـة يـوثـع. وقـد بـعـث الـمـؤابـيـون بـعـمّـولادي “مـكـبـل الـيـديـن والـقـدمـيـن بـالـحـديـد” كـهـديـة انـتـصـار إلى بـلاط نـيـنـوى.

ولـقـد ظـلّ الأنـبـاط إلى ذلـك الـحـيـن بـعـيـديـن عـن شـؤون الـدّولـة الآشـوريـة لا يـتـدخـلـون فـيـهـا. وكـان تـجّـارهـا يـشـاركـون فـقـط في تـجـارة الـعـرب وإن كـنّـا لا نـعـرف مـدى هـذه الـمـشـاركـة، ولـكـنّ بـعـض الـنّـصـوص تـذكـر وجـود بـعـض الـتّـجّـار الـنّـبـطـيـيـن في بـابـل في الـقـرن الـسّـابـع قـبـل الـمـيـلاد.

وقـد اقـتـربـت قـوّات الآشـوريـيـن والـمـؤابـيـيـن مـن وادي الأنـبـاط عـنـدمـا طـاردت الأعـراب، فـسـارع مـلـك الأنـبـاط نـطـنـو (أو نـنـط في بـعـض الـنّـصـوص) لـيـقـتـرح مـفـاوضـات سـلـمـيـة مـع قـوّاد هـذه الـقـوّات تـحـاشـيـاً لـلأضـرار الّـتي يـمـكـن أن تـصـيـب مـمـلـكـتـه مـن ذلـك.

وقـد اعـتـبـر آشـوربـانـيـبـال مـبـادرة الـمـلـك نـطـنـو دلـيـلاً عـلى مـدى هـيـبـة مـمـلـكـة آشـور الّـتي امـتـدت خـشـيـتـهـا إلى كـلّ أرجـاء الـبـسـيـطـة، وذكـر أنّ مـلـك الأنـبـاط  :  “بـعـث لي بـرسـول لـيـسـأل عـن صـحـتي ويـقـبّـل قـدميَّ ويـقـسـم لي بـإخـلاصـه في الـطّـاعـة ويـرجـوني أن أتـقـبّـل خـدمـاتـه”. وكـان نـنـطُ  يـدفـع ضـريـبـة سـنـويـة لـلآشـوريـيـن. وقـد فـضّـل الـمـلـك الـنّـبـطي هـذا الـخـضـوع لـيـبـعـد عـن مـمـلـكـتـه خـطـر أن تـهـاجـمـهـا الـقـوّات الآشـوريـة، ولـهـذا أسـاء اسـتـقـبـال يـوثـع، مـلـك الـعـرب الـقِـدَريـيـن الـهـارب مـن مـطـاردة الآشـوريـيـن وحـلـفـائـهـم. ويـروى أنّـه قـال لـه : “وهـل يـمـكـنـني أن أتـمـرّد عـلى بـلاد آشـور؟ وهـل كـنـت قـبـلـت، لـو كـنـت في مـكـاني، أن تـجـيـرني مـنـهـم؟ “.

وبـعـد هـرب مـلـك الـقـدريـيـن : ” إدّعى ابـن أخـيـه (وكـان اسـمـه يـوثـع أيـضـاً هـو الآخـر) أنّـه مـلـك الـعـرب … وجـاء إلى نـيـنـوى” يـعـلـن خـضـوعـه ويـطـلـب أن يـقـبـل تـعـيـيـنـه. وقـد اعـتـقـد آشـوربـانـيـبـال أنّ الإلـه آشـور أفـقـد هـذا الـفـتى يـوثـع عـقـلـه، وإلّا فـكـيـف سـوّلـت لـه نـفـسـه أن يـتـصـرف هـذا الـتّـصـرف الـجـنـوني!  أولـيـس تـعـيـيـن الـمـلـوك وقـفـاً عـلى آلـهـة آشـور وظـلّـهـم عـلى الأرض، أي مـلـك آشـور لا يـشـاركـهـم في ذلـك مـشـارك ؟ ورغـم أنّ الـمـلـك الآشـوري لـم يـعـتـرف لـيـوثـع بـأيـة أحـقـيـة لـطـلـب الـسّـلـطـة إلّا أنّـه لـم يـقـتـلـه وتـركـه حـيّـاً.

حـرب آشـوربـانـيـبـال الـثّـانـيـة ضـدّ الـعـرب :

رأيـنـا كـيـف هـرب أبي يـثـع إلى نـيـنـوى يـطـلـب الـعـفـو مـن الـمـلـك الآشـوري، وكـيـف عـيّـنـه آشـوربـانـيـبـال “مـلـكـاً عـلى الـعـرب”.ولـكـن هـذا لـم يـمـنـع أبي يـثـع مـن خـيـانـة عـهـده والـتّـفـاهـم مـع نـطـنـو، مـلـك الأنـبـاط : “وجـمـعـوا قـوّاتـهـم لـيـهـجـمـوا عـلى الـحـدود”. وقـد شـاركـت قـوّات نـبـطـيـة مـع رجـال أبي يـثـع في الـبـدايـة، ثـمّ مـع رجـال يـوثـع (الـعـم) في هـجـمـات عـلى دمـشـق وتـدمـر.

وكـان ردّ الآشـوريـيـن عـلـيـهـم في غـايـة الـعـنـف، وبـدأوا ضـدّهـم حـربـاً كـان الـهـدف مـنـهـا مـحـقـهـم عـن بـكـرة أبـيـهـم. ووجـهـوا الـهـجـوم الأوّل ضـدّ أبي يـثـع، والـثّـاني ضـدّ يـوثـع بـن خـزعـل (الـعـم)(1). واخـتـار الآشـوريـون لـهـجـومـهـم فـصـل الـجـفـاف، مـن مـنـتـصـف الـشّـهـر الـخـامـس، أيّـار إلى مـنـتـصـف الـشّـهـر الـسّـادس، حـزيـران. ثـمّ أعـادوا الـكـرّة مـن مـنـتـصـف الـشّـهـر الـسّـابـع، تـمّـوز إلى مـنـتـصـف الـشّـهـر الـثّـامـن، آب. ونـلاحـظ أنّ قـوّاتـهـم ارتـاحـت شـهـراً، ربّـمـا في دمـشـق.

ونـحـن نـعـرف أنّ الأعـراب لا يـتـنـقّـلـون في هـذه الـفـتـرة، وأنّـهـم يـظـلّـون مـع جـمـالـهـم وغـنـمـهـم قـرب آبـار الـمـاء، مـمـا يـدلّ عـلى مـعـرفـة الآشـوريـيـن الـدّقـيـقـة بـحـيـاة الأعـراب. وقـد انـتـفـعـوا بـهـذه الـمـعـرفـة لـيـسـتـطـيـعـوا قـطـع دابـرهـم.

ونـصّ الـنّـقـش الآشـوري الّـذي يـروي هـذه الـحـرب طـويـل ومـلئ بـالـوجـوه الـبـلاغـيـة والـمـحـسـنـات الـبـديـعـيـة، يـروي فـيـه آشـوربـانـيـبـال بـصـيـغـة الـمـتـكـلّـم أحـداث الـمـعـارك كـمـا لـو كـان قـد شـارك فـيـهـا بـنـفـسـه : “وقـد أحـطـتُ بـعـشـيـرة أتّـر سـمـايـن وبـقِـدّريي مـلـك الـعـرب […] وأجـبـرتـهـم عـلى الـسّـيـر في طـريـق دمـشـق ومـعـهـم مـا كـانـوا يـمـلـكـون. وبـعـد شـهـر، تـركـت دمـشـق ، وفي جـبـل حـوكـورنـة، وهـو حـصـن لا يـقـهـر، قـهـرت عـشـيـرة أبي يـثـع […] وكـسـرت شـوكـتـهـم وغـزوتـهـم. وقـبـضـت عـلى أبي يـثـع […] حـيّـاً. وهـرب الـجـبـنـاء مـنـهـم خـوفـاً مـن سـيـفي والـتـجـأوا إلى جـبـل حـوكـورنـة الّـذي لا يـمـكـن دخـولـه. فـوضـعـت رجـالي أمـام الآبـار والـيـنـابـيـع وحـرمـتـهـم مـن الـمـاء الّـذي لا حـيـاة بـدونـه. وصـار لـمـاء الـشّـرب عـنـدهـم ثـمـن لا يـقـدّر، وتـسـاقـطـوا مـوتى مـن عـطـش يـحـرق أمـعـاءهـم. ولـم يـعـد لأحـدهـم إلّا شـقّ بـطـن جـمـل وشـرب الـدّم والـمـاء وحـتّى صـديـد الـقـروح لـيـروي عـطـشـه. ومـن هـؤلاء الّـذيـن دخـلوا الـجـبـل والـتـجـأوا إلـيـه لـم يـنـج أحـد، ولـم يـهـرب صـفـيـق مـنـهـم مـن قـبـضـتي : هـصـرتـهـم جـمـيـعـاً في مـلـجـأهـم”.  “أمّـا يـوثـع وأعـرابـه […] فـقـد تـفـرّقـوا أمـام سـيـف ربّي آشـور، وهـربـوا مـن قـدّامـه. وضـيّـق عـلـيـهـم الـجـبّـار الإلـه ـ الـلـهـب […] فـالـتـهـمـوا لـحـوم أطـفـالـهـم مـن الـجـوع […] ولـحـوم صـغـار إبـلـهـم وصـغـار حـمـيـرهـم وصـغـار الـغـنـم الّـتي تـرضـع أمـهـاتـهـا سـبـع مـرّات ولا يـأتـيـهـا الـحـلـيـب مـن أضـرعـهـا […]. وعـشـتـار أربـيـل، الإلـهـة الـلابـسـة نـاراً والـحـامـلـة بـرقـاً رمـت بـالـلـهـب عـلى بـلاد الـعـرب […] ورأى رجـال يـوثـع هـجـمـات سـيـوف آشـور وعـشـتـار […] فـثـاروا ضـدّه. وارتـعـب يـوثـع فـهـرب مـن الـبـيـت الّـذي كـان قـد الـتـجـأ إلـيـه”.

وقـد أسـر الآشـوريـون يـوثـع وأخـذوه إلى نـيـنـوى. وكـمـا كـانـوا قـد فـعـلـوا بـابـن أخـيـه مـن قـبـلـه فـقـد عـرضـوه لـلـنّـاس أمـام بـوابـة مـن بـوابـات الـمـديـنـة. وهـكـذا أخـضـع آشـوربـانـيـبـال كـلّ رؤسـاء الـعـرب وعـشـائـرهـم، وأفـسـد عـلى كـثـيـر مـن الأعـراب طـريـقـة حـيـاتـهـم ، فـلـم يـعـد بـإمـكـان مـن نـجـا مـن الإبـادة أن يـسـتـمـرّوا في تـنـقـلّـهـم بـعـد أن أبـيـدت جـمـالـهـم الّـتي كـانـوا يـعـتـمـدون عـلـيـهـا في حـيـاتـهـم. وصـارت الـبـاديـة خـلاءً لا يـسـكـنـهـا إلّا الـقـلـيـل، وفـلاة تـحـمي حـدود الـدّولـة الآشـوريـة.

وقـد نـجـا بـلاط الأنـبـاط مـن الـتّـدمـيـر، واعـتـرف رؤسـاؤهـم بـأخـطـائـهـم في الـتّـدخـل مـع الأعـراب في شـؤون آشـور، وتـنـازل مـلـكـهـم بـالـعـرش لابـنـه واخـتـار الـمـنـفى. وأدار الـمـلـك الـجـديـد ظـهـره لـحـلـفـاء أبـيـه الـمـغـضـوب عـلـيـهـم، وأقـسـم بـالإخـلاص لآشـوربـانـيـبـال.

ونـحـن لا نـعـرف شـيـئـاً عـن مـوقـف الـقـبـائـل الـعـربـيـة ولا عـن تـصـرفـاتـهـا في الأحـداث الّـتي جـرت بـيـن 626 و 612 ق. م. والّـتي أدّت إلى سـقـوط الإمـبـراطـوريـة الآشـوريـة تـحـت ضـربـات الـمـيـديـيـن وحـلـفـائـهـم الـبـابـلـيـيـن، ثـمّ تـأسـيـس الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـحـديـثـة.

وبـعـد سـقـوط الـدّولـة الآشـوريـة في الـقـرن الـسّـابـع قـبـل الـمـيـلاد، ظـهـرت في الـقـرن الـتّـالي مـنـطـقـة عـربـيـة شـمـالـيـة في مـنـطـقـة الـجـزيـرة بـيـن دجـلـة والـفـرات، وتـمـتـعـت بـاسـتـقـلالـهـا حـتّى الـفـتـرة الـبـارثـيـة في الـقـرن الـثّـالـث ق. م.

الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة الـبـابـلـيـة الـحـديـثـة :

نـجـد في الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة الـبـابـلـيـة الـحـديـثـة أنّ نـبـوخـذ نـصـر الـثّـاني، بـعـد أن فـشـلـت حـمـلـتـه ضـدّ مـصـر سـنـة 601 ق. م. ، قـام بـهـجـمـات ضـدّ قـبـائـل عـربـيـة لـيـرفـع مـن مـعـنـويـات جـنـوده. وقـد حـقـق بـهـذه الـمـنـاوشـات هـدفـيـن آخـريـن : أوّلـهـمـا كـسـب جـنـوده لـغـنـائـم أنـسـتـهـم هـزيـمـتـهـم، والـثّـاني تـأمـيـن دفـاع لـمـؤخـرة جـيـشـه حـتّى يـسـتـطـيـع الـشّـروع في حـمـلـتـه ضـدّ فـلـسـطـيـن.

أمّـا نـبـونـيـد (حـكـم مـن 556 إلى 539 ق. م.) آخـر مـلـوك الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـحـديـثـة فـلـم يـشـبـه حـكـمـه حـكـم أحـد مـن سـابـقـيـه. فـقـد تـرك في الـسّـنـة الـخـامـسـة مـن مـلـكـيـتـه لابـنـه بـعـل تـزار أن يـحـكـم بـدلاً عـنـه في بـابـل، بـيـنـمـا قـاد هـو بـنـفـسـه أهـمّ حـمـلات فـتـرة حـكـمـه مـتـوجّـهـاً إلى شـمـال جـزيـرة الـعـرب. وبـعـد أن قـتـل “مـلـك” تـيـمـاء وأبـاد قـطـعـان الـقـبـائـل الأخـرى في الـمـنـطـقـة لـيـخـضـعـهـم لـسـيـطـرتـه، إسـتـقـرّ عـشـر سـنـوات في واحـة تـيـمـاء، واسـتـعـبـد سـكـانـهـا لـيـشـيـدوا لـه قـصـراً ويـحـيـطـون الـواحـة بـالأسـوار. ومـا زالـت آثـار الـقـصـر الّـذي سـكـنـه فـيـهـا واضـحـة لـلـعـيـان. وقـد اسـتـولى نـبـونـيـد في تـلـك الـفـتـرة عـلى عـدد مـن الـواحـات بـاتـجـاه الـجـنـوب، وكـان مـن بـيـنـهـا يـثـرب. ومـا زال الـبـاحـثـون يـتـنـاقـشـون في أسـبـاب تـرك نـبـونـيـد لـبـابـل وإقـامـتـه الـطّـويـلـة بـعـيـداً عـنـهـا.

ومـهـمـا يـكـن فـقـد نـتـج عـن ذلـك أنّ الـبـابـلـيـيـن سـيـطـروا في تـلـك الـفـتـرة عـلى الـجـزء الأوسـط مـن طـريـق الـعـطـور والـتّـوابـل الّـذي كـان يـربـط الـهـنـد والـيـمـن بـالـبـحـر الأبـيـض الـمـتـوسِّـط.

الـعـرب تـحـت سـلـطـة الـدّولـة الـفـارسـيـة الإخـمـيـنـيـة :

عـنـدمـا أخـذ الـمـلـك الـفـارسـي كـورش “الـكـبـيـر” مـديـنـة بـابـل عـام 539 قـبـل الـمـيـلاد، وأسـقـط الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـحـديـثـة الّـتي كـانـت آخـر دول بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن، أنـشـأ دولـة إخـمـيـنـيـة امـتـدّت عـلى مـنـاطـق واسـعـة مـن الـشّـرق ودامـت مـا يـقـارب الـقـرنـيـن. ونـحـن لا نـعـرف الـكـثـيـر عـن أحـوال الـعـرب في تـلـك الـفـتـرة.

ويـخـبـرنـا الـمـؤرّخ الـيـونـاني هـيـرودوت الّـذي زار بـابـل حـوالي نـصـف قـرن بـعـد سـقـوطـهـا أنّ شـرق مـصـر، بـيـن الـنّـيـل والـبـحـر الأحـمـر، كـان يـسـكـنـه الـعـرب. وكـشـفـت الـتّـنـقـيـبـات عـن مـعـبـد في تـلّ الـمـسـخـوتـة في شـرق الـدّلـتـا يـعـود لـتـلـك الـفـتـرة وجـدت فـيـه صـحـون وطـاسـات عـلـيـهـا كـتـابـات آرامـيـة تـذكـر أسـمـاءً مـصـريـة وعـربـيـة لأنـاس نـذروهـا لـلإلـهـة الـلات، ومـن بـيـنـهـم مـلـك مـن مـلـول قِـدَر.

وعـنـدمـا عـبـر الـمـلـك الـفـارسي الإخـمـيـني قـمـبـيـز  الـبـاديـة في طـريـقـه لـفـتـح مـصـر، إعـتـمـد عـلى الـعـرب لـمـدّه بـالـجـمـال وقِـرَب الـمـاء.

ــــــــــــــــــــــ

(1) مـازال الـمـخـتـصـون يـتـنـاقـشـون عـن يـوثـع و ويـثـع هـل هـمـا صـيـغـتـان لـنـفـس الإسـم أم شـخـصـان مـخـتـلـفـان، وعـن يـوثـع بـن خـزعـل ويـوثـع بـن بـيـردادة. وتـجـدون دراسـة واضـحـة ومـفـصـلـة عـن ذلـك في مـقـال Pamela Gerardi  الّـذي تـجـدونـه عـلى الـشّـبـكـة الـعـنـكـبـوتـيـة تـحـت عـنـوان :

THE ARAB CAMPAIGNS OF ASSURBANIPAL:SCRIBAL RECONSTRUCTION OF THE PAST.

المصدر للاطلاع اكثر: مدونة الدّكتور صباح النّاصري

1 تعليق

  1. رابط مدونة الدّكتور صباح النّاصري : "بين دجلة والفرات".
    https://sabahalnassery.wordpress.com/2015/03/28/%D8%A7%D9%84%D9%80%D8%B9%D9%80%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A8%D9%80%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D9%80%D8%A7-%D8%A8%D9%80%D9%8A%D9%80%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%80%D9%86%D9%91%D9%80%D9%87%D9%80%D8%B1%D9%8A%D9%80/

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا